News

أردوغان رئيساً عتيداً لتركيا: الأمبراطورية إلى خلف الحدود

تركيا

تركيا

أنقرة – د.باسل الحاج جاسم

تشهد تركيا في العاشر من آب (اغسطس) القادم انتخابات رئاسية تاريخية، فللمرة الأولى سيتم التصويت في هذه الانتخابات بالاقتراع المباشر من قبل الشعب، وليس من خلال البرلمان كما كان يحصل منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923.

ووصل عدد المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية إلى ثلاثة: أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامي السابق، المرشح التوافقي لحزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية المعارضين، وصلاح الدين دميرطاش مرشح حزب الشعوب الديمقراطي المعارض والمعروف ان معظم اعضائه من الكرد، فضلاً عن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي رشحه حزب العدالة والتنمية الحاكم.

وللمرة الأولى ايضاً، ستكون تركيا أمام مرشَحيْن إسلاميين كانا حتى وقت قريب يعملان معاً، فحزب العدالة والتنمية هو من رشح أوغلو لرئاسة منظمة التعاون الإسلامي.

ويعكس ترشح أوغلو، عدم وجود مرشح قوي من المعارضة أو قريب منها، يتمتع بكاريزما سياسية في مواجهة أردوغان، ويحظى بالتوافق من قبل أحزاب المعارضة.

كما إن لترشيح أوغلو علاقة بقناعة الحزبين المعارضين بأهمية التاثير على وضع أردوغان، إذ إن ترشيحه قد يؤثر في رصيد أردوغان، عبر جلب أصوات الأحزاب الإسلامية والمحافظة مثل حزب السعادة والوحدة الإسلامية الكبرى، فضلاً عن حركة الخدمة بزعامة فتح الله غولن الداعية التركي المقيم في الولايات المتحدة الاميركية، ويتهمه اردوغان بقيادة ما بات يعرف تنظيم الدولة الموازية، ويتطلع الحزبان بهذه الخطوة على الأقل الى قطع الطريق أمام أردوغان من الجولة الأولى.

أوغلـــو الذي عمل رئيساً لمنظمة التعاون الإسلامي، يمتلك علاقـــات جيــدة مــــع مصر والسعودية وإنـــدونيسيا وغيرها من الدول الإســلامية وسيحظى بدعم وتأييد هذه الدول، بخاصة أن علاقة بعض هذه الدول ليست جيدة بأردوغان، ولعل قبول أوغلو بمثل هذا الترشيح يؤكد تأييده لما ذهبت إليه المعارضة.

كل السياسيين يريدون أن تتوّج حياتهم في القصر الرئاسي، كما فعل كل من تورغت أوزال وسليمان ديميريل. وبحسب مراقبين فإن أردوغان يستحق الترشّح للرئاسة، بعدما حقق في كل الانتخابات التي خاضها هامشاً واسعاً من النجاحات، فلا يوجد زعيم غيره استطاع أن يزيد من أصوات ناخبيه مرة بعد مرة ليفوز بثلاث انتخابات عامة متتالية.

ولكن رئاسة الجمهورية التركية، ليست كرئاسة الوزراء، ولا تعتمد منهجية الصراع على السلطة، بل على العكس، فمهمة رئيس الجمهورية حل النزاعات، وضمان عمل مؤسسات الدولة في جو من الوئام، وعليه فإن لهذه الانتخابات أهمية خاصة، لا سيما أنها تأتي في ظل مساعٍ قوية لتغيير النظام الرئاسي في البلاد.

ويرى الكثير من المراقبين ان الرئاسة ستتغير تحت ادارة أردوغان من كونها ذات دور رمزي، الى منصب قيادي وتنفيذي بصورة أكبر.

ولا يشك احد في قدرة أردوغان على حسم هذه الانتخابات لمصلحته، وبفارق كبير عن المرشحين الآخرين، وذلك بحسب استطلاعات عديدة. ويرى مراقبون ان حزب العدالة قد يكون بحاجة للصوت الكردي اذا أراد مرشحه الفوز بغالبية الاصوات وبنسبة تتجاوز 51 في المئة المطلوبة، من الجولة الاولى في الانتخابات الرئاسية.

وتحاول حكومة أردوغان حالياً، بدء مفاوضات للتوصل لاتفاق نهائي مع حزب العمال الكردستاني، بعد أن دعا زعيم الحزب المسجون عبدالله أوجلان لوقف لاطلاق النار العام الماضي، ودفع حزب العدالة باصلاحات قانونية هذا الشهر في البرلمان لجعل العملية تسير بسهولة، إذ إن القوانين الحالية تعرقل اجراء محادثات مع المنظمات التي تصنف ارهابية.

وعليه فإن الكرد يرون أن صوتهم في هذه الانتخابات يشكل فرصة ذهبية لا تقدر لدفع أردوغان إلى القيام بخطوات حقيقية لحل القضية الكردية سلمياً.

تدرك تركيا جيداً انها قوة اقليمية لها وزنها في الشرق الاوسط، وتريد ان تلعب دوراً يليق بها في ظل ظروف اقليمية دولية مناسبة، وارتياح غربي أميركي لهذا الدور، وخصوصاً ان مشاركة تركيا في تطويق بعض الازمات الاقليمية يساهم في ايجاد توازن جديد يحد من النفوذ الايراني في المنطقة.

صحيح ان تركيا محاطة بانعدام الاستقرار في العالم العربي، وفي القوقاز، وفي البلقان، لكنها صاحبة الاقتصاد الأكثر استقراراً ودينامية في منطقتها، ولديها القوات المسلحة الأعلى فعالية.

وبين حين وآخر تخرج تركيا الى ما وراء حدودها، فقد قامت مثلاً قبل سنوات، بدخول العراق في عملية جوية برية مشتركة لمهاجمة حزب العمال الكردستاني، على رغم أنها تجنبت عمليات تورط عميقة، ومن شأن قوة بهذا الحجم الكبير وتحت سيطرة نظام اسلامي ان تكون في موقع يؤهلها لنشر نفوذها على نحو واسع، وليس هذا ما يريده الجيش، او العلمانيون.

وربما يجد اردوغان نفسه مجبراً على اقامة توزان بين قوى ثلاث متنافسة: الاولى، اقتصاد يبقى متيناً، ويرجح ان يزداد نمواً، والثانية هي جيش قوي، لا يريد عمليات توريط مفرطة خارج الحدود، وبالتأكيد ليس بدوافع واسباب دينية، والثالثة هي حركة اسلامية تريد ان ترى تركيا جزءاً من العالم الاسلامي.

والسؤال هنا الى متى يستطيع أردوغان الحفاظ على هذا التوازن، فبمقدار ما تشتد الفوضى في المنطقة المحيطة بتركيا، وتغدو تركيا اقوى، يشتد الضغط الجيو سياسي على تركيا كي تملأ الفراغ.

المصدر: صحيفة الحياة اللندنيه

تاريخ النشر: 10 يوليو 2014

Leave a Comment