News

قمة «الناتو»… أبعد من أوكرانيا!

قمة «الناتو»... أبعد من أوكرانيا!

قمة «الناتو»… أبعد من أوكرانيا!

حنا صالح

«أنا لست متجر أمازون» لإمدادات الأسلحة!

عبارة وزير الدفاع البريطاني بين والاس رداً على الطلبات العسكرية الأوكرانية، تكشف عن جانب مهم مما ستؤول إليه الحرب الأوكرانية، وقد بدأ المخزون الخاص من السلاح بالنفاد لدى أبرز بلدان «الأطلسي». تتمة العبارة، زيلينسكي وحيداً قبل التقاط الصورة التذكارية للمجتمعين في قمة فيلنيوس الأطلسية، وكأن الصورة تحمل ما يشي بقرب انتهاء الصلاحية!

لم ينجح الهجوم المضاد، فتشكل القنابل العنقودية المحرمة دولياً نقلة نوعية في الأسلحة الأميركية لأوكرانيا، وستسهم بإطالة هذه الحرب، لكن لا يعول عليها لتعديل الوضع الميداني. ولن يشهد مسرح العمليات تحولاً نوعياً مع التدريب المكثف للطيارين الأوكران على طائرات «F16» التي لن يتسلمها الجيش الأوكراني قبل فبراير (شباط) ومارس (آذار) القادمين. إنما أين ستتمركز مع استحالة تمركزها في مطارات أوكرانية؟ وهل ستكتفي روسيا بمشاهدة استخدام هذه الطائرات لمطارات مجاورة ولا تتحرك؟ أما الزيادة الفلكية في الإنفاق العسكري للأطلسيين بـ2 في المائة من الناتج القومي، فلا رابط مباشراً بينها وبين المتطلبات المباشرة للحرب الأوكرانية، بل هدفها الابتكار في نوعية الأسلحة لمواءمة مواجهة التحديات التي أكدتها حرب أوكرانيا، والبداية تعويض النقص في مخزون الدول الغربية، وتالياً رفع مستوى الاستعداد لمجابهة المخاطر. لقد أظهرت الحرب الأوكرانية الحاجة الماسة لحجم مفتوح من الأسلحة النوعية والذخائر!

وهكذا تبدو التعهدات الأطلسية بمواصلة الدعم لكييف، والتسليم بأن كل دبابة تخسرها سيتم توفير بديل عنها، قد أخذت بعين الاعتبار وجود خطر مواجهة مباشرة غربية – روسية. لذا بدا العنوان المحوري للقمة الأطلسية أولوية مواجهة الخطر الروسي، وليس أفضل من أوكرانيا كميدان عمليات لخوض أطول حرب استنزاف ضد روسيا لإنهاكها وإضعافها بهدف كسرها أمام السلبيات التي ستنعكس على الداخل الروسي.

لقد وجد «الأطلسي» نفسه أمام استحقاق التوافق على خطط الرد على التهديدات الروسية، التي وضعت أوروبا على شفا مواجهة يمكن أن تتحول في أي لحظة إلى حربٍ شاملة، بما في ذلك عدم استبعاد الخطر النووي… مع ملاحظة أن هذه القمة في قراءتها لمسار الحرب، وتداعياتها أبعد من أوكرانيا وروسيا، امتنعت عن فتح أي باب أمام الدبلوماسية للبحث عن حلول، ربما كان من شأنها وقف شلال الدم الأوكراني – الروسي، ووقف الدمار المادي لأوكرانيا، والمتعدد الأوجه لكل دول العالم!

واليوم كل الاحتمالات واردة بعد انقضاء الأيام الخمسمائة الأولى على هذه الحرب، لكن الرهان الغربي على العقوبات الاقتصادية لم يؤدِّ كل الدور المتوخى منه. كما أن دروس الهجوم الأوكراني المضاد الذي كلّف كييف أفدح ثمنٍ بشري، جاء ما حققته دون التوقعات. ورغم أنه استند إلى أعلى مستوى تسليح غربي: «الباتريوت» وراجمات «هيمارس» ومدرعات «برادلي» من أميركا، ودبابات «ليوبرد 2» من ألمانيا، ودبابات «تشالينجر» من بريطانيا، ومدرعات «آم إكس 10» من فرنسا؛ فإن المخاطر ما زالت كبيرة!

1 – في روسيا يتقدم دور الجنرالات ونفوذهم. فهم نجحوا في تحقيق تكامل بين أسلحة الجيوش الروسية فعطلوا عمليات الاستنزاف، ونجحوا في التجنيد وإطلاق أوسع تصنيع حربي ومراكمة الذخائر، ويعولون على قوات رديفة: ميليشيات «فاغنر» و«أحمد» الشيشانية. إنهم يضغطون لوضع استراتيجية سحق المدن وتدميرها في التطبيق، وهم يعرفون أن «الأطلسي» لن ينزلق إلى إرسال قوات بعدما قرر أن أوكرانيا لا تمتلك شروط الانضمام إليه. هذا المنحى سيكون مكلفاً اقتصادياً واجتماعياً لروسيا، وسيخلق موجات احتجاج من الصعب الآن توقع نتائجها!

2- يتسع التسليم باستحالة انتصار أوكرانيا التي تجابه دولة نووية عظمى. فتحددت المهمة بعمليات استنزاف ستطيل الحرب، مع الزجِّ بألوية جديدة متكاملة التسليح الغربي يتم تدريبها على أيدي خبراء «الناتو». توازياً، يتعمم الدمار والاقتلاع، وإلى سقوط مئات الألوف بين قتلى وجرحى وملايين اللاجئين، تتسع عمليات التغيير الديموغرافي، وتمزيق النسيج الأوكراني!

3 – البلدان الأوروبية أمام فاتورة كبرى في الاقتصاد والسياسة. تحت وطأة الحرب ومستلزماتها والتعهدات التي قُطعت، ونتيجة العقوبات والقطيعة النفطية والغازية مع روسيا، سيتفاقم التضخم. ومع اقتطاع 2 في المائة من الناتج القومي لتلبية الاحتياجات العسكرية سيتفاقم العجز وتتراجع التقديمات. الحصار سيشتد على المتقاعدين وكبار السن، وتتسع حملات الكراهية ضد اللاجئين، وسيؤدي الاستثمار فيها إلى تعمق التحول في مزاج الناخبين باتجاه اليمين الفاشي الذي سيحقق نجاحات لم تكن ممكنة قبل الحرب الأوكرانية!

4- التضخم سيرتفع في أميركا… ومع أفول عام 2023، سيكون صعباً على البيت الأبيض المضي في الدعم المفتوح لأوكرانيا. سقف الدين وضع خطاً أحمر، والسيطرة الجمهورية على مجلس النواب من شأنها أن تقفل كل الأبواب!

يبقى أن المعاناة الاجتماعية والتراجع الاقتصادي في بلدان الجنوب سيزدادان ويتفاقمان، لكنهما لن يرقيا إلى مستوى أولويات المتصارعين على أوكرانيا والعالم!

الشرق الأوسط

Leave a Comment