News

“أميركا أولا”… على أبواب آسيا الوسطى

“أميركا أولا”… على أبواب آسيا الوسطى

شاهر الحاج جاسم

“أميركا أولا”، العبارة الأوضح والأشهر، للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي لا يفوت مناسبة من دون تكرارها، وهي العبارة التي قد تعطينا صورة لفهم ما يجري من تصاعد للخلافات الأميركية مع الحلفاء سواء من الأوربيين، أو العرب، إضافة الى اللاعبين الدوليين كروسيا والصين.

منذ وصول ترامب الى سدة الحكم، أعلن بكل وضوح أن “أميركا أولا”، وشرع في إعادة صياغة المعاهدات والاتفاقيات الدولية من جديد، من دون الرجوع إلى الحلفاء أو الالتفات إلى تأثير قراراته الجديدة على وضعهم، أو إلى الخلافات التي قد تحدثها مع الدول الأخرى، أو إمكان تحوّلها إلى فتيل لصراعات مستقبلية في العالم.

بالتأكيد إن التوجهات الأميركية لن تقتصر على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بل أن سياسة واشنطن الحالية، سوف ترسم المشهد الدولي على المدى البعيد، لاسيما ان هناك قوى جديدة بدأت تظهر على الساحة العالمية، في ظل وجود قوى تقليدية تريد الحفاظ على مكتسباتها السابقة.

ومما لا شك فيه أن التغيير التدريجي الحاصل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، تجاه النفوذ الروسي والصيني المتزايد في ملفات عدة، يعكس شعور الساسة في البيت الأبيض وعلى رأسهم ترامب، بخطر هاتين القوتين على مصالحهم السياسية والاقتصادية، إذ استعرض ترامب هذه التحديات، قائلا: “إننا نواجه في جميع أنحاء العالم أنظمة مارقة وجماعات إرهابية ومنافسين مثل الصين وروسيا اللتين تتحديان مصالحنا واقتصادنا وقيمنا”.

يعتقد المراقبون أن التوجه الأميركي القادم، سيكون نحو دول الاتحاد السوفياتي السابقة عموماً، خصوصاً جمهوريات منطقة آسيا الوسطى، ذات الأهمية السياسية والاقتصادية للقوتين الإقليميتين الرئيستين هناك: روسيا والصين. كما ان التهديدات المتصاعدة ضد إيران، تزيد أكثر من أهمية هذه المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة. علماً أن الإمكانات الاقتصادية الهائلة وعلى رأسها قطاع الطاقة، والفرص المتاحة في تلك المنطقة، سوف تكون محل اهتمام ترامب، في ظل الخبرة التجارية الكبيرة التي يمتلكها في هذه المجال، ومنذ ما قبل تسلمه منصب الرئاسة.

إضافة الى ذلك، فإن الضغط الذي قد يمارسه ترامب في تلك المنطقة، سيصطدم لا محالة بالنفوذ الروسي الذي ينظر الى دول آسيا الوسطى كمنطقة نفوذ سياسية هامة لا مجال للمساومة عليها، خصوصاً وأن موسكو تبذل جهوداً كبيرة لإبقاء السيطرة الروسية عليها بشكل دائم، وربط دولها بمعاهدات واتفاقيات دولية تعرقل أي محاولة لزعزعة هذا النفوذ أو تهديده.

بدورها، تولي الصين أهمية بالغة لهذه المنطقة، باعتبار آسيا الوسطى تشكل منفذاً اقتصادياً لها، وممراً لـ “طريق الحرير” التي تسعى بكين جاهدة إلى إحياءه، عبر مشروعها المتمثل في “حزم واحد، طريق واحد” الذي يربطها مع دول أخرى، بالإضافة إلى تطلعها نحو الحفاظ على مصادر الطاقة من نفط وغاز، والتي تحصل عليها بأسعار رخيصة وتفضيلية بموجب اتفاقيات بينها وبين هذه البلدان.

لطالما نظرت الولايات المتحدة إلى آسيا الوسطى خلال السنوات الماضية، كشريك إستراتيجي مهم في محاربة الإرهاب والقضايا الأمنية، وهو ما يرشحها لتكون المحطة القادمة للتنافس والمساومة بين القوى الدولية على المصالح والنفوذ. وفي هذا الإطار، تتصاعد أصوات متزايدة من القيادات السياسية والعسكرية الأميركية، تدع إلى الانسحاب من أفغانستان ووقف الاستنزاف الذي يتكبده الجيش الأميركي هناك، لاسيما أن وجوده بات بلا فائدة تقريباً، مرور 18 عاماً على التدخل العسكري في تلك البلاد. وبالتالي، فإن الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ربما يعزز من قوة واشنطن وحضورها بشكل أكبر في أسيا الوسطى. ومن الضروري هنا الإشارة إلى تصريح أدلى به الضابط في وكالة المخابرات المركزية الأميركية ورئيس عمليات مكافحة الإرهاب في باكستان جون كيرياكو، الذي قال: “إن الحكومة الأفغانية تسيطر فقط على كابول، بينما تسيطر طالبان على نسبة كبيرة من بقية البلاد، والشرطة العسكرية والشرطة الأفغانية ضعيفة للغاية، وإذا غادرت الولايات المتحدة، فأنا متأكد من أن طالبان ستسيطر على البلاد بسرعة”. وأضاف: “إنه خطأ الولايات المتحدة الأميركية بالكامل، لقد أنفقت حكومتنا مليارات الدولارات على تدريب القوات المسلحة والشرطة الأفغانية، ولكن لم يتم التوصل الى نتائج. تم إهدار الأموال، وتمثل البلاد الآن نفس المسار كما في عام 2001. نتيجة لذلك، تضطر الولايات المتحدة الى البقاء من أجل حماية الحكومة الأفغانية ودعمها”. تجدر الإشارة إلى أن ترامب أصدر خلال العام الماضي، تعليمات بإعداد خطة تقضي بمغادرة الجيش الأميركي أفغانستان في غضون مدة أقصاها عام، لكنه عاد وقال بعد ذلك بشهر إن ذلك لن يتحقق إلا إذا تم التوصل الى اتفاقات سلام في أفغانستان.

قد يطرح بعض المحلليين الأمنيين تساؤلات، حول السبب الذين يدفع الولايات المتحدة الى تحمل كل تلك التكاليف والأعباء للبقاء في أفغانستان، لاسيما أن وجود واشنطن هناك، بات في حقيقة الأمر بمثابة حماية لمصالح موسكو وبكين في أهم المناطق السياسية والاقتصادية بالنسبة إليهما، والمتمثلة في منطقة آسيا الوسطى القريبة من أفغانستان. من هنا، أليس منطقياً أن تتحمل روسيا والصين مسؤولية الاستقرار في أفعانستان أيضاً؟

تجدر الإشارة إلى أنه في حال انسحبت القوات الأميركية من أفغانستان، ستواجه روسيا والصين مشكلات أمنية واقتصادية عدة في المنطقة، لاسيما أن أي زعزعة لاستقرار دول آسيا الوسطى، يشكل تهديداً مباشراً لنفوذهم السياسي والاقتصادي على الصعيدين الإقليمي والدولي وتحجيماً لدورهما.

كما أن التفوق الاقتصادي والعسكري الأميركي، يجعل واشنطن قادرة على تهديد المصالح الروسية والصينية في هذه المنطقة، إلا أن مهمتها لن تكون سهلة، لاسيما أن دول آسيا الوسطى تولي اهتماماً خاصاً للحفاظ على مصالح موسكو وبكين، وإبقاء عامل الاستقرار فوق أي اعتبار.

نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية

Leave a Comment