News

إدارة بوتين السياسية وتداعياتها الاقتصادية

روسيا

روسيا

عدنان كريمة
مع بداية موسم العودة إلى المدارس مطلع أيلول (سبتمبر)، واجه المجتمع الروسي مشكلة في تلبية احتياجات الطلاب، واضطرت العائلات الروسية إلى تقليص الإنفاق المدرسي بنسبة 26 في المئة مقارنة بعام 2015، إذ بلغ متوسط الإنفاق للعائلة 15 ألف روبل (234 دولاراً) مقارنة بـ 21 ألف روبل العام الماضي، وفق دراسة أعدها مركز «عموم روسيا لاستطلاع الرأي العام». وخلافاً لمعادلة «التكافل الاجتماعي» المعتمدة في روسيا، تراجع عدد العائلات التي أبدت استعداداً للمساهمة في «المدفوعات الطوعية» بما يزيد على الضعفين.
وإذا كان المركز عزا أسباب تقليص «الإنفاق المدرسي» إلى زيادة مستوى الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة للمدارس، أكد محللون اجتماعيون واقتصاديون السبب الأهم، أي تراجع دخل المواطنين وتأثير تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية على المسـتوى المعيشي للعائلة الروسية، خصوصاً تراجع قيمة صرف الروبل، وأشارت دراسات إلى ان نحو نصف العائلات الروسية يشــكو تدهور وضعه الاقتصادي، فضلاً عن صعوبات في سوق العمل، وتراجع قيمة الراتب الشهري، وتأخر تسديد بعض الأجور، حتى أن العائلات التي تصنف في روسيا من ضمن الفئات الاجتماعية التي تتمتع بامتيازات وتحصل على خدمات بأسعار مخفــضة من الدولة، ليست أفــضل حــالاً، ويرى خبراء في الشؤون الاجتــماعية (صــحيفة «فيدوموستي» الروسية) أن 45 في المئة من العائلات التي يعيش ضمنها طفل واحد، ونحو 55 في المئة من العائلات التي يعيش ضمنها طفلان وأكثر، لم تتمكن من تسديد تكاليف الخدمات العامة مثل الماء والكهرباء والغاز.
ومع تدهور الوضع الاقتصادي وبطء مسيرة التنمية، يزداد عدد الفقراء، ويعاني المجتمع الروسي تفاوتاً طبقياً لجهة الدخل، وصفت نائب وزير المال تاتيانا نيستيرينكو الفقر بأنه أحد التحديات الرئيسة التي تواجهها روسيا»، وأكدت «ضرورة العمل لاستئصال هذه الظاهرة». وتبدو خطورة تداعيات الفقر، أن الأكثر فقراً هم من العائلات الشابة التي تضم طفلين، وتشكل نحو 35 في المئة من الفقراء في روسيا.
هذا نموذج من الشعب الروسي الذي يدفع ثمناً غالياً لتداعيات نتائج الإدارة السياسية بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين للأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة من الأزمة الأوكرانية والمقاطعة الأوروبية والأميركية، وتراجع أسعار النفط وعائداته وتأثيره على مالية الدولة واحتياطات المصرف المركزي، وتزايد الإنفاق العسكري على تدخل روسيا في الأزمة السورية دعماً لنظام الرئيس بشار الأسد، فضلاً عن تدهور سعر صرف الروبل وتأثيره في مستوى المعيشة.
أما أثرياء روسيا، وحرصاً منهم على تجنب الخسائر والحفاظ على قيمة ثرواتهم، فعمدوا إلى تهريب أموالهم إلى خارج البلاد، ومع تطورات الأزمة الكورية وعقوبات المقاطعة، سجل عام 2014 هروباً قياسياً لرؤوس الأموال من روسيا بلغ 151.5 بليون دولار، واستمرت عمليات الهروب، ولكن بمبالغ أقل، مسجلة فقط نحو 57 بليون دولار في 2015، ثم تراجعت في النصف الأول من العام الحالي إلى نحو 10.5 بليون دولار، وذلك لأسباب مختلفة أعادها الخبراء المتشائمون إلى أن الاستثمارات الكبيرة سبق أن غادرت البلاد عام 2014، بينما عزا الخبراء المتفائلون أسباب التراجع إلى أن المستثمرين لم يعودوا يرغبون بمغادرة روسيا وهم بالتالي يساهمون بتعزيز اقتصادها، ويرى هؤلاء أن عمليات الهروب كانت أقل من التوقعات التي أشارت أنها مرشحة لتساوي 118 بليون دولار عام 2015 ونحو 75 بليوناً عام 2016، و53 بليوناً عام 2017، وهكذا يكون التوقع لعام 2017 قد تحقق قبل عامين من ذلك.
ولكن رغم ذلك ساهم هذا الهروب بخسائر كبيرة لاحتياطات المصرف المركزي الذي أضطر للتدخل مرات للحد من تدهور سعر صرف الروبل، ببيعه كميات من الدولار، الأمر الذي خفض الاحتياطات النقدية بالعملات الأجنبية من 537 بليون دولار نهاية 2012 إلى 370 بليوناً نهاية 2015، أو بخسارة 167 بليون دولار. ويبدو أن عمليات الاستنزاف لهذه الاحتياطات مستمرة مع استمرار الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، وتمويل العمليات العسكرية في سورية وزيادة العجز المالي للموازنة الذي بلغ 1.5 تريليون روبل في النصف الأول من العام الحالي أي أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأنفقت الحكومة لتغطية هذا العجز نحو 780 بليون روبل من الصندوق الاحتياطي ولم تكتف بذلك بل مولت الجزء المتبقي منه بنحو 245 بليون روبل عبر الاقتراض الداخلي.
وفيما يجري فيه التحضير لإصدار سندات خزينة بقيمة تريليون روبل باقتراض داخلي، حذّر وزير المال أنطون سيلوانوف من خطورة هذا الإصدار، مشيراً إلى احتمال تكرار أزمة عام 1998 في روسيا التي تسببت بالأزمة الاقتصادية و «إفلاس تقني»، فيما نبهت حاكم المصرف المركزي الروسي إلفيرا نابيولنا من محاولة حفز التنمية الاقتصادية عبر زيادة حجم الاقتراض الذي يضع روسيا في دوامة التضخم ومصيدة الديون، وإذا كانت نسبة العجز المالي حالياً أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فهي سترتفع إلى ستة في المئة ثم إلى تسعة في المئة، وهكذا…
وتبرز هنا أهمية التخصيص الذي كان محرماً قبل الأزمة، على اعتبار أنها تشمل شركات يلعب دخلها دوراً رئيساً في تأمين القسم الأكبر من دخل موازنة الدولة، وأصبحت مطلوبة الآن بقوة وبحجم كبير لتشمل عدداً مهماً من «المؤسسات الإستراتيجية». تبقى الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي أورد الاقتصاد الروسي من بين أسوأ عشر اقتصادات في العالم لعام 2015 لجهة تراجع الناتج المحلي الإجمالي، واحتل المرتبة العاشرة بتراجع 3.7 في المئة، وجاء اليمن في المرتبة الأولى كأسوأ اقتصاد بعد تراجع الناتج المحلي فيه بنسبة 28 في المئة.

Leave a Comment