News

استراتيجية الكرملين للبقاء تحت الأضواء

ألكسندر غولتس

ألكسندر غولتس

 ألكسندر غولتس – خبير في العلاقات الدولية والعسكرية
قلما أوافق استنتاجات الدعاية الرسمية وشبه الرسمية للكرملين، على ما أفعل اليوم. ترى وسائل الإعلام المحلية أن قمة مجموعة العشرين احتفت ببوتين. و «العار الأسترالي» قبل سنتين، أي حين سعى أعضاء القمة هذه الى تجنب بوتين، لم يتكرر. واستغل الرئيس الروسي فرصة اللقاء بقادة العالم التي تسنح له مرة واحدة في السنة. وعلى رغم أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لا يرغب في الاجتماع مع بوتين، اضطر، شأن الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية، الى التفاوض مع سيد الكرملين. وهذا مع العلم أن روسيا منبوذة دولياً، ولا أحد يتجه الى رفع العقوبات عنها.
ولا مناص من الإقرار بأن روسيا وجدت وسيلة للخروج من العزلة الدولية. وكل ما يقتضيه الخروج هو افتعال مشاكل «للشركاء اللدودين». فلا يعود في مقدور هذه الدول، ومسؤولوها يحاسبون في الانتخابات، تجنب الاجتماع مع بوتين. وتورطت روسيا في الحرب الأهلية السورية في المقام الأول من أجل إجبار أوباما على إجراء محادثات مع بوتين في زيارة الأخير الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الفائت. واليوم، تتوالى فصول القصة. فأوباما يواجه ضغوط الحملات الانتخابية لحل القضية السورية بطريقة أو بأخرى، وهو مضطر اليوم الى مناقشات لا معنى لها مع الزعيم الروسي.
وخاطر الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية، أنغيلا مركل، بسمعتهما السياسية لوقف إراقة الدماء في أوكرانيا. ففي صيف 2014، في ذروة القتال (في شرق أوكرانيا) جازف الزعيمان خلال احتفالات الذكرى الـ70 لإنزال قوات الحلفاء في النورماندي، بالاجتماع مع رئيس بلد يقود حرباً سرية ضد دولة حليفة. وفي سياق اجتماعات «صيغة النورماندي» أبرم اتفاق مينسك، الذي بلغ تنفيذه طريقاً مسدودة. وأصر الديبلوماسيون الفرنسيون والألمان على أن يكون الاجتماع على هامش قمة العشرين في الصين رباعياً، لكن بوتين لم يرد أن يبدو وكأنه على قدم المساواة مع بترو بوروشينكو، الرئيس الأوكراني. وقبيل القمة، وقعت حادثة غريبة مع «المخربين» الأوكرانيين في شبه جزيرة القرم. واستغل بوتين الحادثة هذه للإعلان أن «صيغة نورماندي» انتهت صلاحيتها ولم تعد قائمة. والإعلان عن هذه الحادثة تزامن مع الإعلان عن المناورات المفاجئة للقوات المسلحة الروسية. وعليه، صار قلق القادة الأوروبيين من احتمال نشوب معركة جديدة في وسط أوروبا، في محله. ولذا، هرع كل من ميركل وهولاند للقاء بوتين، ولكن كل على حدة لعدم إذلال بوروشينكو. فجل ما يسعى اليه بوتين هو استبعاد نظيره الأوكراني من عملية التفاوض. فهو يرغب في مفاوضات تذكر بلقاء يالطا في 1945، حيث قرر قادة القوى العظمى مصير الدول الصغيرة.
ولم تثمر اجتماعات الرئيس الروسي، ولم تنته الى نتائج تذكر. وهولاند أعلم الجمع فرحاً بعد الاجتماع بأن لقاءات «صيغة النورماندي» مستمرة. وبوتين قال على مضض أنّ لا بديل عنها (الصيغة هذه)، ولا مناص من التواصل مع بوروشينكو. ولكنه أضاف: «قلت للمستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي، أن المسألة ليست حدوث اللقاء أم لا، بل هي أن تؤدي اجتماعاتنا هذه إلى تطور إيجابي على طريق التسوية… لدي انطباع بأن أحداً لا يريد الاجتماع من أجل الاجتماع». ويفهم القارئ أن موعد الاجتماع الرباعي القادم لم يحدد. ولم يسفر اللقاء مع أوباما عن نتائج.
وإذا حلّت الأزمات التي تقف وراءها روسيا لتحمل الدول على الحوار معها، اضطرت موسكو الى خلق ذرائع جديدة. وإذا كان الهدف هو الحفاظ على الحوار، فإن المشاكل التي يتناولها محكوم عليها بأن تكون مستعصية على الحل. وعليه، ينتظرنا انتصار ديبلوماسي روسي جديد. ويبدو أن شاغل بوتين اليوم هو الإعداد لأزمة جديدة في العام القادم وإيجاد خلافات مع بريطانيا. فرئيسة حكومتها مدت يدها لبوتين على مضض.
«يجيدنفني جورنال» الروسي

Leave a Comment