News

التعايش السلمي في كازاخستان

كازاخستان

شاهر الحاج جاسم

تبدو حقيقة أن العالم أحادي القطب آخذة بالانهيار بسرعة، لكن ليس من الواضح ما الذي سوف يحدث بعد ذلك، وما هو عدد مراكز القوى الجديدة التي سوف تظهر لاحقا، بالإضافة الى تغير دور المؤسسات الدولية في العالم، بعضها سوف ينهار بالتأكيد أمام أعيننا، والبعض الآخر قد يستمر.

وفي ظل العديد من التحديات والصعوبات الاقتصادية عالميا، وغرق الدول في أزمات واحدة تلو الأخرى، وفي مقدمتها التضخم وزيادة الإنفاق العسكري على حساب الإنفاق لزيادة الرفاهية والرخاء، وتأثيرها على التعايش السلمي بين الشعوب والدول.

استطاعت كازاخستان حتى اليوم، النجاح في تحقيق أكبر نموذج للتعايش السلمي بين أكثر من مئة قومية، وخلافاً لما عليه الحال في باقي الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي، لم يقتل شخص واحد في كازاخستان خلال سنوات الاستقلال نتيجة لصراعات عرقية.

ففي الوقت الحالي تعيش في كازاخستان بتفاهم وسلام أكثر من مئة قومية تمثل جميع الأديان العالمية والتقليدية. ويشكل الروس حوالى ثلاثين بالمائة من سكان البلاد التي تقطنها أيضاً اثنيات أخرى (كالشيشان والإيغور والتتار والأرمن والأوزبك والألمان والأتراك والآذريين والأنغوش والأوكرانيين والأكراد والكوريبن…).

ولم تحدث مواجهات عرقية تهدد السلام الاجتماعي بفضل سياسة التسامح والعدالة المطبقة والتي تستند الى رغبة العيش المشترك للمواطنين. واللافت أن الفسيفساء العرقية التي تشكل كازاخستان تمثل في الوقت ذاته جميع الأديان السماوية والأديان القديمة.

حيث يرى بعض من المراقبين، إن كازاخستان ليست مجرد دولة متعددة القوميات وانما يعيش فيها اكثر من 125 قومية واثنيه ويتيح هذا لهم إمكان أخذ الأفضل من جميع القوميات ومزجها لتشكيل النموذج الكازاخستاني الخاص في الحياة.

وتعرف عاصمة كازاخستان اليوم على الخريطة العالمية بوصفها مركزاً للحوار بين الديانات المختلفة، ففي مدينة آستانا هناك مؤتمر للحوار البنّاء بين الديانات والحضارات، مثل مؤتمر حوار الحضارات والأديان الذي انعقد لأول مرة في آستانا منذ عدة سنوات، على مستوى رجال دين من مختلف الأديان، واستمر بالانعقاد بشكل دوري. كما دعمت أستانا فكرة إنشاء نظام عالمي جديد، يعيش فيه أناس من ديانات ومعتقدات مختلفة في سلام وتجانس، ودور الديانات في الحفاظ عليه ودعمه.

الجدير بالذكر، احتضنت كازاخستان العام الماضي، المؤتمر الدولي السابع لقادة الأديان السماوية والتقليدية. وناقش أكثر من 100 وفد قدموا من أكثر من 50 دولة إلى العاصمة أستانا، التطور الروحي والاجتماعي للحضارة الإنسانية في عالم ما بعد أزمة كورونا. كما ركزت المناقشات على التعليم الديني والسلام والحوار بين الأديان ومحاربة التطرف والإرهاب.

في هذا السياق، قال الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف الذي ترأس المؤتمر، إن الحدث يعد منصة مهمة للحوار بين الحضارات. وأشار توكاييف إلى المواجهة الجيوسياسية المكثفة بين القوى الكبرى والتهديدات الأمنية التي يعيشها العالم مثل التطرف والإرهاب، وأعرب عن قلقه من عودة التوتر وانعدام الثقة المتبادل والعداء في العلاقات الدولية.

وأضاف:” لقد نددنا بشكل جماعي بكل من «سياسة القوة» و«خطاب الكراهية»، اللذين يسهمان في الاغتراب المتبادل بين الدول، وتآكل الدول، وتدهور العلاقات الدولية، واليوم، كما لم يحدث من قبل، من الضروري الاستخدام الجيد لإمكانيات صنع السلام للأديان، لتوحيد جهود السلطات الروحية بحثًا عن استقرار طويل الأمد، وتقوم جميع الأديان على مُثُل إنسانية، والاعتراف بالقيمة السامية للحياة البشرية، والتطلع إلى السلام والخلق، حيث أن هذه المبادئ الأساسية يجب أن تنعكس ليس فقط في المجال الروحي، ولكن أيضًا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدول والسياسة الدولية”.

كما قال شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، في كلمته خلال الجلسة الختامية للمؤتمر: “إن رسالة الأديان لن تبلغ هدفها ما لم تتحد، وما لم يتحد أهلها، وما لم يكونوا قوة تعمل على تنقية الشعور الديني من الضغائن والأحقاد”.

وأضاف شيخ الأزهر قوله: “إن شفاء البشرية من أمراضها وفي مقدمتها مرض العمى عن الحقيقة لم يعد رهن أي تقدم مادي او تكنولوجي بل هو، فيما أتيقن، رهن تقدم روحي أخلاقي، تمثل فيه الاديان حجر الزاوية”.

يشار الى أن منظمة اليونيسكو اعترفت منذ عقدين، بفوز عاصمة كازاخستان آسـتانا في مسابقة «مدينة من أجـل السلام». وطوال هذه السنوات تـوجـت آستانا بهذا اللقب، ولا تزال هذه العاصمة مستمرة في جمع الضيوف في مؤتمر فريد لزعماء روحيين كمؤتمر حوار الحضارات والأديان، وتؤكد أستانا أنها تعتبر فعلاً مدينة السلام، لاسيما إن النقاشات الدائرة في المؤتمر تأكد باستمرار استعداد واهتمام القادة الروحيين بالحوار، وكانت الآراء المختلفة التي طرحت أثناء المؤتمر خلال السنوات السابقة تجمعها فكرة واحدة، وهي الاهتمام بمصير هذا الكوكب المتعدد والسعي للبحث عن سبل لدعم الوفاق والتفاهم المتبادل بين الدول والشعوب، ومـمثـلي مختلف الأديان.

Leave a Comment