News

العلاقات العراقية التركية تدخل مرحلة جديدة على وقع ازدهار موقع كردستان

د. باسل الحاج جاسم

د. باسل الحاج جاسم

أنقرة – د. باسل الحاج جاسم
يمكن النظر الى زيارة حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية إلى العاصمة التركية أنقرة في الأيام الأخيرة من العام الفائت 2014،على انها بداية لحقبة جديدة في العلاقات بين أنقرة وبغداد، حيث من المتوقع أن تستعيد العلاقات زخماً جديداً، بعدما تضررت، وشهدت نوعاً شديداً من التوتر وصل الى حد القطيعة في السنوات الأربع الأخيرة، إذ كانت أخر زيارة عراقية إلى تركيا على مستوى رئيس وزراء عام 2010، ومن المنتظر أن تُعقد من جديد اجتماعات منتظمة للمجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي الرفيع المستوى بين البلدين، خلال عام 2015.
كلا البلدين (تركيا – العراق) بحاجة لبعضهما بعضاً، في الوقت الذي لا يمكن فيه استمرار التوتر بينهما، وترغب الحكومة العراقية الجديدة، في إصلاح العلاقات التي تضررت خلال السنوات السابقة، فالعراق يشهد أزمة أقتصادية بسبب هبوط أسعار النفط، وفي المقابل تركيا في حاجة إلى العراق الذي يعد ثاني أكبر سوق للصادرات التركية.
وعن الدعم التركي لبغداد في مواجهة الإرهاب، أوضح العبادي أن أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء التركي، أكد له أن أنقرة مستعدة لتقديم أي دعم مطلوب، حيث عرض مساعدات عسكرية في مجالات التسليح والتدريب وتبادل المعلومات، وأشار إلى إمكانية تدريب تركيا لتشكيلات الحرس الوطني المزمع تشكيلها من المتطوعين في المحافظات العراقية.
وأفسحت زيارة العبادي إلى تركيا الطريق أمام تطور العلاقات بين البلدين في مجالات كثيرة وفي مقدمتها الطاقة، لتدخل العلاقات بينهما حقبة جديدة، وتريد بغداد كسب ثقة تركيا من جديد، وطلبت عودة الشركات التركية إلى العراق.
وكشفت مصادر مطلعة عرض العبادي على نظيره التركي أوغلو، خلال زيارته تركيا، تصدير النفط العراقي إلى الأسواق العالمية عبر الأراضي التركية.
وكانت اتفاقية تصدير النفط الموقعة بين تركيا وحكومة إقليم شمال العراق، تنص على أن تحصل تركيا على دولار واحد من كل برميل، أي ما يعادل 500 مليون دولار سنوياً، بالإضافة إلى إيداع أموال النفط المباعة في مصرف خلق بنك التركي.
وتوقيع اتفاقية مماثلة مع حكومة العراق المركزية، يعني أن النفط العراقي والغاز الأذري والروسي سيباع إلى الأسواق العالمية عبر الأراضي التركية، وهذا ما سيحول تركيا إلى مركز إقليمي للطاقة.
وكانت العلاقات العراقية التركية شهدت توتراً خلال السنوات الأخيرة من رئاسة نوري المالكي للحكومة العراقية السابقة، بعد اتهامه أنقرة بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلاده، بالإضافة الى معارضته الاتفاق التركي مع إقليم كردستان العراق في إنشاء ومد أنابيب للنفط وبيع خام الإقليم في الأسواق العالمية بمعزل عن الحكومة المركزية في بغداد، معتبراً أنه مخالف للدستور العراقي، ومهدداً بمقاضاة المشترين للنفط الذي اعتبره «نفطاً مهرباً».
وكان المشهد الأكثر شيوعاً، هو توافد الضيوف العراقيين الى أنقرة، ليس من بغداد، بل من أربيل، عاصمة حكومة إقليم كردستان، حيث عمل الأكراد العراقيون على التقرب في شكل وثيق من أنقرة في الوقت الذي تنجرف فيه بغداد بعلاقاتها بعيداً منها.
هناك عاملان إقليميان، عززا هذا التحول، الأول هو تحقيق التقارب بين حكومة إقليم كردستان وأنقرة منذ عام 2007، بمبادرة من الأكراد كوسيلة لموازنة النفوذ الإيراني في العراق ومواجهة النزعات المركزية في بغداد، ومن أجل تنفيذ هذه الإستراتيجية التدريجية والناجحة في الوقت نفسه، فقد قدمت حكومة إقليم كردستان إغراءات عديدة لتركيا مثل منح مشاريع البناء الكبرى للشركات التركية (على سبيل المثال، مطارات أربيل والسليمانية)، وعملت واشنطن جاهدة على تعزيز هذا التقارب بعد غزو العراق عام 2003، خشية اندلاع صراع بين تركيا و حكومة إقليم كردستان.
العامل الثاني، هو عدم الاستقرار الإقليمي المترافق مع ما يعرف الربيع العربي، وتأتي أنقرة في طليعة المعارضة الإقليمية لنظام الأسد في سورية كما أنها غير راضية عن الدعم الإيراني لدمشق، وتبدو تركيا على قناعة تامة بأن طهران لها تأثير ونفوذ في بغداد، لذا فإنها أصبحت تؤمن بأن محور شيعي، بقيادة إيران آخذ في التشكل على حدودها الجنوبية ويمتد من العراق إلى سوريا، ووجهة النظر هذه كانت سبب قيام أنقرة بالبحث عن حلفاء لمواجهة هذا المحور، بما في ذلك حكومة إقليم كردستان وسكان العراق من العرب السنة.
وفي الوقت نفسه أضرّت هذه التطورات بالعلاقات القائمة بين أنقرة وبغداد، حيث رأت الحكومة العراقية أن تعاملات تركيا المباشرة مع أربيل تُعد بمثابة إهانة لسلطتها وتصغيراً لنفوذها، كما أن ازدراء أنقرة للمالكي لم يؤد سوى إلى تفاقم المشكلة.
المشكلة الكردية ستظل قائمة في كل من تركيا والعراق وسيكون لها دورها المؤثر في العلاقات العراقية التركية وكما كانت دائماً، بخاصة أن الأكراد في العراق، بدعم أميركي، يلعبون الآن دوراً مؤثراٍ في السياسة العراقية، ويمكن أن يكون لهم أوراق جديدة ستؤثر في طبيعة العلاقة المستقبلية على المشكلة الكردية في كل من إيران وتركيا، ولكن مثل هذا التأثير لن تظهر مؤشراته الأولية وانعكاساته، إلا بعد فترة طبقاً لحسابات ترتبط أساساً بأهداف وخطط الولايات المتحدة الأميركية الخاصة بالمنطقة أكثر منها بالقضية الكردية نفسها واهتمامات الأكراد بمستقبلهم، ومن المرجح أن تبقى العلاقة حميمية بين أنقرة وحكومة أقليم شمال العراق على المدى القريب.
وتدرك أنقرة مدى اعتماد الاقتصاد المتنامي لـ إقليم شمال العراق على تركيا، وهو ما يعد دافعاً قوياً لأربيل للعمل ضمن المعايير التركية. ووفقاً لمسؤولين أكراد فإن تركيا هي الشريك التجاري الرئيسي للإقليم، حيث يبلغ حجم التجارة بينهما 7.7 بليون دولار، كما أن 80 في المئة من واردات السلع الاستهلاكية الكردية تأتي من تركيا، وقد أخذت العلاقات الاقتصادية تتطور في شكل كبير منذ عام 2010 حينما كانت تعمل حوالى 730 شركة تركية في شمال العراق، وقد تجاوز مؤخراً عدد هذه الشركات هذا الرقم إلى 1023 شركة، وهو يزيد عن أي بلد آخر. كما عززت حكومة إقليم كردستان من هذا الزخم الاقتصادي بتقديمها حوافز ضريبية سخية لشركات تركية، تصل في بعض الأحيان إلى الإعفاء الضريبي للسنوات الخمس الأولى من أعمالها التجارية.

الحياة اللندنيه

Leave a Comment