News

الكرملين ومؤامرات من بنات خياله

ساحة النصر في موسكو

ساحة النصر في موسكو

في الشهر الماضي، أجازت الحكومة الأرمنية لشركة الكهرباء التي تحتكر القطاع وتعود ملكيتها إلى مجموعة شركات روسية على رأسها مقرب من بوتين، رفع سعر التعرفة الكهربائية. فنزلت جموع المواطنين إلى الشوارع هاتفة «لا للنهب». وبعدما جوبهت بخراطيم المياه، خرجت تظاهرات أكبر احتلت الجادة المركزية في يريفان. وإلى اليوم لم يرفع الاعتصام. وشطر كبير من المتظاهرين هو من الشباب، ولا يوجههم قائد فعلي ولا يرفعون لواء مشروع سياسي. ونأى الغرب بنفسه عن الاحتجاجات، واقتصر نشاط السفارة الأميركية على التغريد على «تويتر»، والدعوة إلى «»التزام السلمية والانضباط».
لكن جهاز البروبغندا البوتيني سارع إلى استنتاجات مفادها أن السفارة الأميركية تقف وراء التظاهرات، كما سبق أن فعلت في أوكرانيا العام الماضي. وعلّق وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، بالقول «تعرفون كيف بدأت الثورات الملونة و(حركة) الميدان الأوكراني». وكلامه يلمح إلى نظرية المؤامرة الخاصة بالكرملين: الثورات التي عمت الجمهوريات السوفياتية السابقة لم تكن عفوية والاستخبارات الأميركية نظمتها.
ويبدو أن الرئيس بوتين والمقربين منه، وهم فريسة جنون الارتياب والعظمة ونسيان المعايير الأخلاقية، يرون أن أي احتجاجات في روسيا أو الدول المجاورة، هي وليدة مؤامرات سرية. ويرى الكرملين أن احتجاج الشعب الأرمني الفقير، الذي باع حكامه القسم الأكبر من اقتصادهم إلى روسيا، على زيادة سعر الكهرباء 17 في المئة، غير مبرر، ويستبعد احتمال احتجاجهم على رفع الأسعار فحسب. ويعتبر هذا الاحتمال ساذجاً.
أمّا الرئيس الأرمني سيرج سركيسيان، وعلى رغم أنه موالٍ لروسيا ومن زبائنها، فهو ليس على القدر نفسه من الانفصال عن الواقع. ودحض علناً مزاعم أن التظاهرات موجهة ضد روسيا، وسعى إلى تخفيف الاحتقان والتوتر في الشارع إثر إخفاق هجوم الشرطة على المتظاهرين. والتزم أن تقوم الدولة بتحمل كلفة زيادة سعر الكهرباء، وإجراء كشف مالي في الشركة الاحتكارية، ولمح إلى احتمال تأميمها أو بيعها من جديد. وحصل سركيسيان على مساعدة عسكرية روسيّة قيمتها 200 مليون دولار، ووعد روسي يقضي بتسليم الجندي المتهم بقتل عائلة أرمنية إلى العدالة.
ويبدو أنّ قرار الرئيس سركيسيان بالتحالف مع نظام بوتين هو قرار قصير النظر. وأرمينيا هي الدولة الثالثة بعد بيلاروسيا (روسيا البيضاء) وكازاخستان التي تنضم إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وهو مشروع بوتيني للهيمنة وإنشاء كتلة تمسك بمقاليدها موسكو. وقال الرئيس سركيسيان، خلال زيارته إلى واشنطن في شهر أيّار (مايو)، أن قرار الانضمام إلى هذا الاتحاد عملي: فالعمال الأرمن في روسيا هم مصدر خمس الناتج المحلي الأرمني، وروسيا هي مصدر الطاقة الوحيد. وأضاف أنّ «الكونياك الأرمني لا يباع في باريس». واليوم، تتردد في أرمينيا وغيرها من دول المنطقة ارتدادات الانهيار الاقتصادي الروسي. وأدى تراجع سعر الروبل إلى تراجع في قيمة العملة الأرمنية. وحمل انحسار أرباح مجموعة الطاقة، «إينتر راو يوإي أس»، التي يرأسها إيغور سيتشين – الذي طالته العقوبات الأميركية – موسكو على استخراج عائدات أكبر من شركة الكهرباء الأرمنية. خلاصة القول إن الأرمن لا يحتاجون إلى مؤامرة أميركية للتمرد.

واشنطن بوست

Leave a Comment