News

بروكسيل تلوم «غازبروم» على إخفاقها

روسيا

روسيا

بيير نويل

قلما يقع المرء على قضية مكافحة احتكار تشوبها دواعٍ جيو– سياسية مثل قضية بروكسيل ضد «غازبروم». فأسهم الاتهام وجهت إلى الشركة التي تعود ملكيتها إلى الدولة الروسية، بمخالفة معايير التنافس الأوروبي وفرض أسعار «غير عادلة» في عدد من الدول الأوروبية.
وقبل عام، ندد غونتر أوتينغر، وهو شغل منصب مفوض شؤون الطاقة في الاتحاد الأوروبي، بما سماه «لعبة فرق تسد» التي تقترحها موسكو والتي لن تقبل بها دول الاتحاد الأوروبي، في وقت ترمي «بروكسيل إلى سعر غاز موحد في السوق الأوروبية المشتركة»، على نحو ما قال. ولكن مثل هذه السوق لم يبصر النور، ولو سعى الأوروبيون إلى إنشائه، لبرز سعر موحد للغاز. والقيود على عمليات البيع وإعادة البيع التي تقول المفوضية إنها وقعت عليها في عقود «غازبروم» في أوروبا الوسطى غير مشروعة في قوانين الاتحاد الأوروبي. ولكن بروكسيل عجزت عن تفسير أسباب غياب التنافسية عن هذا الجزء من أوروبا. وفي أواخر التسعينات، حين قررت المفوضية تغيير وجه سوق الغاز في القارة الأوروبية، استوحت قانوناً من القوانين البريطانية، وطلبت من الدول الأعضاء إنشاء شركات وطنية تتولى وكالات أو أجهزة محلية تنظيم عملها ويمولها مستهلكو الغاز. وفي المملكة المتحدة- وسوق الغاز فيها واسعة وعدد الموردين من بحر الشمال كبير- ساهم هذا النظام في خلق المنافسة وتحفيزها. ولكن في معظم دول الاتحاد الأوروبي التنافس شكلي وغير فعلي. وما احتاجت إليه أوروبا هو سوق داخلية ما بين دولها لنقل الغاز من غير التوقف عند الحدود الوطنية.
ومثل هذه السوق تترتب عليه 3 نتائج: استخدام ناجع للأنابيب الطويلة المدى؛ وتسليط الضوء على مكامن النقص في البنى التحتية؛ والسماح لمستثمرين مستقلين جمع التمويل لتشييد البنى الجديدة. وأرسي هذا النموذج في الولايات المتحدة، وكان في وسع إصلاحات في محلها أن تنشئ نظيره في أوروبا. ولكن الأمر انتهى بالإجراءات الأوروبية إلى نظام مرتجل من الأنابيب المحلية وأنظمة ناظمة وضابطة مرتبطة ببعضها كيفما اتفق. وحال هذا النظام دون نشوء سوق أوروبية موحدة يعتد بها. وتغرد خارج سرب هذا النظام المتعثر منطقة واحدة: شمال غربي أوروبا حيث برزت سوق موحدة ومندمجة. ويعود نجاح تجربة هذه المنطقة إلى وجود منشآت تيسر عملية استقبال الغاز السائل الطبيعي في عدد من الدول وخط أنابيب يربط بين بريطانيا وبلجيكا- وهذا الخط أنشئ في معزل عن تشريعات الاتحاد الأوروبي. وحين هبطت أسعار الغاز الطبيعي السائل قياساً إلى أسعار الغاز الروسي في 2008 وما بعدها، اضطرت «غازبروم» إلى تكييف نموذج تسعيرها الغاز مع نظيره في شمال غربي أوروبا.
والسبب الرئيسي وراء غياب مثل هذا التنازل الروسي في وسط أوروبا وشرقها وثيق الصلة بالقوانين الأوروبية- وهذه تجعل التجارة (الغاز) البعيدة المدى متعذرة وغموض مؤشرات السوق إلى النقص في البنى التحتية – أكثر مما يرتبط بسياسة «غازبروم» في إدارة الأعمال. ولا يخفى أن غازبروم تستفيد من بنى السوق الضعيفة التي لا تنفخ في المنافسة في أسواق الغاز في شرق أوروبا. وسياسات أسعارها هي مرآة إخفاق سوق الغاز الأوروبية. وحين أبرمت بولندا عقداً طويل المدى لشراء الغاز المسيل من قطر، ارتضت صيغة أسعار من الأكثر ارتفاعاً في العالم على رغم أن شركات في بريطانيا تشتري الغاز نفسه بأسعار أدنى. وإلى اليوم، لم تنبس بروكسيل ببنت شفة عن الصفقة مع قطر ولم تتهمها بانتهاك قوانين المنافسة وانتهاج سياسة فرق تسد. وقوة «غازبروم على فرض أسعارها في شرق أوروبا ووسطها ليست وليدة غش بل نجمت عن إخفاق سياسة الغاز الأوروبية. ويبدو أن المفوضية الأوروبية تحسب أن إعلانها أن السوق الأوروبية المشتركة موجودة، سيحمل الشركات على التصرف كما لو أنها موجودة.

«فايننشال تايمز» البريطانية

Leave a Comment