- كوريا الجنوبية تخصص 3 ملايين دولار لدعم جهود مكافحة تغير المناخ في آسيا الوسطى
- شينجيانغ تطلق خط شحن سككي جديد لدعم التجارة مع آسيا الوسطى
- طاجيكستان والكويت تسعيان لتعزيز التعاون الاقتصادي وتأسيس صندوق استثماري مشترك
- قرغيزستان تفتح أبوابها للسياح الصينيين دون تأشيرة: خطوة لتعزيز السياحة والتعاون الاقتصادي
- أذربيجان وقرغيزستان تعززان الشراكة الدفاعية بتوقيع خطة التعاون العسكري لعام 2025
- دعوات إلى إحلال السلام ووقف الحروب في قمة بريكس في روسيا
- العراق يعزز قدراته الكهربائية باتفاقية جديدة لاستيراد الغاز من تركمانستان
- التوجه التركي الجديد: إعادة تسمية “آسيا الوسطى” بـ”تركستان” وأبعاده الاستراتيجية
- أذربيجان تشارك كضيف في اجتماع وزراء الطاقة لدول آسيا الوسطى في طشقند
- زيادة قياسية في إنتاج حقل تنغيز النفطي بكازاخستان قد تؤثر على التزام البلاد بحصص “أوبك بلس”
- كازاخستان تصارع من أجل توافق إنتاجها مع قيود حصص أوبك +
- السعودية وطاجيكستان تبحثان سبل تعزيز التعاون المشترك
- في كازاخستان.. اجتماع قمة زعماء آسيا الوسطى يوافق على ثلاث وثائق نهائية
- اتفاق لتعزيز النقل عبر ممر “الشمال – الجنوب” بين إيران وروسيا وكازاخستان
- «شنغهاي للتعاون»… وعالم التعددية القطبية
روسيا تحت الضغط
جميل مطر
تابعت عن بعد بعض فعاليات قمة العشرين التي عقدت في بريزبين في أستراليا. قدرت قبل انعقادها أنها لن تثمر قرارات مهمة، إذ لم أسمع عن خطة جديدة يحملها معه أوباما أو قادة الاتحاد الأوروبي أو رؤساء المؤسسات الاقتصادية الدولية لإنقاذ الاقتصاد العالمي من أزمته الراهنة. ولم أسمع عن أفكار مبتكرة تبنتها دولة أو أخرى من الدول القائدة في النظام الاقتصادي العالمي تهدف إلى تطوير النظام الرأسمالي أو تشذيب سلبياته التي تجاوزت كل الحدود. ومع ذلك كنا قد سمعنا عن استعدادات وترتيبات ومناورات الهدف منها إحراج الرئيس فلاديمير بوتين، وإظهار روسيا بمظهر الدولة المرفوضة من المجتمع الدولي. وبالفعل بدت بريزبين قمة خصصها الغربيون لإهانة الرئيس الروسي. بدت أيضاً كمحاولة أخرى في جهود استمرت ربع قرن هدفها «تغيير» روسيا على مزاج الغرب.
كان المؤتمر في بريزبين فرصة لنرى روسيا تتعرض مرة أخرى لضغوط وعقوبات وإهانات، فمنذ أن انتهت الحرب الباردة والحملات الديبلوماسية والإعلامية ضد روسيا لم تتوقف. كان الظن أن نهاية الحرب الباردة تعني أنه لن يأتي يوم نسمع فيه رئيس أميركا يعلن في مؤتمر قمة أنه يعتبر روسيا أحد الأخطار الثلاثة التي تهدد البشرية. الخطران الآخران هما وباء إيبولا وتنظيم «داعش». الغريب في الأمر أنه لم يمر الأسبوع إلا وكان الجنرال ديمبسي رئيس الأركان الأميركي يقف أمام الكونغرس مطالباً بزيادة موازنة الدفاع الأميركية لمواجهة هذه الأخطار الثلاثة التي وفق قوله لم تكن قائمة في العام الماضي عند وضع الموازنة. كان الظن أيضاً أن نهاية الحرب الباردة تعني أن قادة العالم الغربي سوف يراعون حساسية الدولة التي لم تعد «أعظم». لم نتصور أن يوماً سيأتي نرى فيه رؤساء حكومات بريطانيا وكندا وأستراليا وقد راحوا يكيلون الإهانات في لقاءاتهم الثنائية للرئيس بوتين، ويكلفون أجهزة إعلامهم بنشرها على العالم بأسره.
كان واضحاً، خلال قمة أستراليا، أن الغرب جاء بنية إضعاف شعبية الرئيس بوتين داخل روسيا. فعلوها من قبل عشرات المرات على امتداد القرن الماضي مع زعماء كثيرين ودول عديدة وحصلوا على نتائج عكسية. لم يدركوا بعد أن الشعوب تقف مع حكامها حتى على الباطل ضد الخارج. جاءوا أيضاً بنية التأثير في مكانة الرئيس بوتين داخل مجموعة «البريكس» باعتبار أن البرازيل والصين والهند أعضاء في الوقت نفسه في قمة العشرين. هنا أيضاً أخطأوا، فـ «البريكس» كانت تحتفل قبل أيام من انعقاد قمة العشرين بإطلاق أول رمز من رموز نظام اقتصادي عالمي جديد. وهو بنك التنمية الآسيوي المستقل عن البنك الدولي وعن غيره من مؤسسات «بريتون وودز»، رموز النظام الاقتصادي العالمي الراهن الذي دشّنته دول الغرب بعد الحرب العالمية الثانية.
تغيير روسيا هدف غربي قديم وطويل الأمد. حانت الفرصة الذهبية لإحداث هذا التغيير خلال سنوات حكم الرئيسين غورباتشوف ويلتسين. وقتها ازدحمت موسكو بمئات الناصحين والمستشارين القادمين من الغرب، وانتشرت الأطروحات والمقالات والدراسات ترسم لروسيا طريقاً جديداً. اجتمعوا على ضرورة تحرير المجتمع المدني الروسي من هيمنة الحكومة وسلطتها ورقابتها، وعلى أهمية تطوير الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وإعادة تعريف علاقتها بالسياسة والسياسيين. أذكر جيداً الحملة التي شنتها في ذلك الوقت قوى سياسية وإعلامية ودينية غربية تتهم الكنيسة الروسية بأنها السبب وراء ظاهرة «الاستبداد» في روسيا، ووراء هيمنة نظرية المؤامرة التي يعتقد الإصلاحيون أنها تشل روسيا وتمنع انطلاقها كدولة حديثة. في رأيهم أيضاً أن هذه الكنيسة وراء غلبة الميل الشعبي للعمل الجماعي وتفضيله على النشاط الفردي. ويكاد يوجد إجماع بين دارسي روسيا في الغرب على أن الكنيسة هي القوة الحقيقية الدافعة للقومية الروسية، التي هي في نظر الغرب أحد أهم عناصر السياسة الخارجية الروسية، والمحدد الأهم لعلاقاتها ببقية دول أوروبا، وبخاصة دول الجوار. ولا شك في أن تفكيك أواصر هذه القومية أو إضعافها كما حدث في ألمانيا واليابان ويحدث حالياً في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، سوف يظل هدفاً غربياً في التعامل مع روسيا.
لا يخالجني أدنى شك، وكما تشير مختلف المؤشرات، في أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية صمدت في وجه هذه الحملات، ووجدت في قيادة الرئيس بوتين وشخصيته ونزعته القومية دعماً دفعها إلى العودة إلى التغلغل في المجتمع الروسي ريفاً وحضراً.
أراد الغرب أيضاً تخفيف قبضة الدولة على الاقتصاد الروسي، وقامت قوى دولية كبيرة، مستغلة الفرصة الذهبية التي جسدها عهد الرئيس يلتسين، بتشجيع «مغامرين» روس وبخاصة من اليهود على شراء القلاع الاقتصادية الكبرى من الحكومة. ولعلنا نذكر أن أول موجة من موجات فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا كانت عندما صدر الحكم بالسجن على رجل الأعمال خودوركوفسكي الرئيس الأسبق لشركة «يوكوس» للنفط لإدانته بتهم فساد وتهرب من ضرائب. كان هدف الغرب في ذلك الحين تفكيك القطاع العام ورفع يد الدولة عن الحياة الاقتصادية لشعب روسيا.
أذكر كذلك الحملات الإعلامية الخارجية ومن جانب الإعلام الجديد الخاضع للقطاع الخاص ضد رموز وتقاليد وأعراف روسية موروثة. أذكر مثلاً الدعوة إلى إخلاء الكرملين من مكاتب الحكومة وتحويله إلى متحف، باعتبار أن الكرملين نفسه، كمبنى وتقاليد ومغزى، يشجع الساكن فيه على الاستبداد ويذكّر بالتقاليد الإمبراطورية.
حاولوا أيضاً إقناع الديبلوماسية الروسية بالامتناع عن استخدام تعبير الجوار القريب عند الحديث عن بعض الجمهوريات المستقلة في جنوب روسيا وفي غربها. في نظرهم، الجوار القريب يحمل مضموناً إمبراطورياً، لا بد من إزالته كلية لتحرير العقل الروسي من براثن التاريخ الإمبراطوري الروسي.
أثبت سلوك ساسة الغرب في قمة بريزبين أن نظرتهم إلى روسيا لم تتغير، وهي نظرة تحتوي على شيء من التعالي العرقي والمذهبي موروث من قرون عديدة سابقة. أثبت أيضاً عمق الأزمة الداخلية في الاتحاد الأوروبي وتدنّي مستوى الأداء لدى السياسيين الأوروبيين. أثبت كذلك أن براغماتية ألمانيا قد تكون الأمل الوحيد المتبقي لإنقاذ أوروبا والحرص على أن يكون لها دور في مستقبل تخطط له الصين بدقة وحرص شديدين، وبنضج واضح.
اتفق مع الرأي الذي يحذّر من أخطار بعضها ظاهر وأكثرها كامن في مرحلة بدأت فعلاً. أحد هذه الأخطار ناجم عن أخطاء كثيرة ترتكبها الدول وبخاصة الدول الكبرى تحت ضغط تداعيات تطوّر دولي عظيم الأهمية. لدينا قطب دوليّ ينحدر بسرعة، تقوده إدارة أميركية منهكة ومتردّدة، ولدينا تكتّل أوروبيّ رخو. وفوضى عارمة في الشرق الأوسط، وقطب دوليّ في أقصى الشرق يصعد بالسرعة نفسها التي ينحدر بها القطب الأميركي.
ولدينا روسيا ولها مطالب بدأت بسيطة وممكنة وانتهت صعبة إلى حد تهديد النظام الأوروبي التي تعبت ألمانيا في تشييده والحفاظ عليه. طالبت بتسهيل إجراءات الحصول على تأشيرات لدخول دول الغرب وبوقف التدخل في شؤونها الداخلية، وبحقها في إبداء رأيها في المشكلات الدولية. هي الآن تطالب بالاعتراف بحقها في استخدام كل الوسائل، بما فيها استخدام العنف، لحماية جوارها القريب كما تعرّفه هي وليس كما يعرّفه الغرب.
الحياة اللندنيه