News

روسيا في الطريق نحو الثورة

روسيا

روسيا

ألكسي كونداوروف

محلل سياسي

ثمة مؤشرات الى أن روسيا في مأزق، منها النقاش الدائر في صفوف المعارضة الروسية حول مسألة الرجوع عن ضم القرم، وإعلان نائب رئيس إدارة المكتب الرئاسي الروسي فولودين ان «نهاية روسيا حتميّة» من دون بوتين، وكلام الرئيس الروسي في لقاء نادي «فالداي». والحقّ إنّ إعادة القرم إلى أوكرانيا ستؤثر سلباً في الروس، أمّا الإبقاء على ضمه فهو يكرس مخالفة القوانين الدوليّة، ويسيء الى الروس ذاتهم وعلاقاتهم بالشعب الأوكراني والديموقراطيات الغربيّة. وأعلن بوتين بوضوح في سوتشي (نادي فالداي) أنّه لن يهدر وقته في مناقشة موضوع القرم وأنه مستعد لمواجهة الولايات المتّحدة والغرب على رغم العقوبات. وألقى كلام فولودين الرعب في النفوس: فهو تنبأ بانهيار الدولة الروسيّة النووية العظمى إذا غادر بوتين الكرملين. ويبدو أن فولودين تجرع الرعب هذا، فهو يدرك ضعف النظام من الداخل: غياب بوتين يزعزع نظام الدولة الروسية الذي يستند الى الشعبية الاصطناعية للرئيس، والبروباغندا، وتحالف الشركات والشرطة والمدعين العامين والقضاة. ولا تركن روسيا بوتين الى ركن اقتصادي متين، وقوامها ليس الفصل بين السلطات وتطوير المؤسسات الديموقراطية، وإرساء نظام إدارة فعّال، والتعددية السياسية.

ولكن الغرب لم يُذعر. فالمستشارة الألمانية أعلنت في اليوم التالي على خطاب بوتين انها مع استمرار العقوبات. وتمسكت أميركا بحماية سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها. وقال الرئيس البولندي إن «العالم الغربي حدد» شروط رفع العقوبات وهي إعادة شبه جزيرة القرم الى اوكرانيا.
ويلتف حبل مشنقة العقوبات على روسيا: فالروبل ينهار، والتضخم يرتفع، ويتعاظم هروب رؤوس الأموال، والدخل ينخفض، وأسعار النفط تنهار. ولكن المعارضة الديموقراطية الروسية غير جاهزة لاستلام دفة الحكم، ولا تملك برنامجاً واضحاً لإنقاذ روسيا من الانهيار. وقادة المعارضة هذه لا يتوقعون انهيار النظام في الأمد القريب، ولذا يكتفون بخطوات تكتيكيّة.
ويرجح في الظروف القاهرة هذه، أن تبدأ السلطة بمراكمة الأخطاء، وأن يتعاظم التوتر في المجتمع. فشريحة الفقراء توسعت في روسيا، وأصبحت تعدّ بالملايين. وإذا بقيت سياسة الكرملين على حالها، واجهت روسيا المحاكم الدولية التي ستنتهي إلى أحكام جزائية ببلايين الدولارات. وحين عودة «المسلحين المتطوعين في نوفوروسيا» إلى روسيا، ستبرز حاجتهم شأن غيرهم من الروس الى فرص عمل. وليس اشعال حرب أخرى على حدود الاتحاد السوفياتي السابق بالأمر العسير. ولكن هؤلاء المسلحين سرعان ما سيطورون حسّ الغريزة الطبقية. ففي الدونباس لم يعد المسلحون يرفعون راية «العالم الروسي» بل هم يقاتلون في سبيل التوزيع العادل للقمة العيش والمواد الغذائية التي تشح في روسيا مثلما كان عليه الوضع قبل 100عام.
ويرجح ان تؤدي معاناة روسيا سنة أخرى من الركود الاقتصادي والبروباغندا الإعلامية، وعسكرة رجال الدين واستفحال النظام الأمني وتفشي الأكاذيب السافرة وانهيار الطبقة الوسطى وغياب أفاق واضحة، الى انفجار في شوارع المدن الكبرى. ولكن ماذا يحدث عندما يتحكم اليأس والكراهية بالمحرومين؟ جواب السؤال هذا هو نظرة الى إلى منطقة الشرق الأوسط، أو الى مثال الدونباس الحاضر أمامنا. عندما يبدأ المجتمع بالغليان، حري بالمعارضة الديموقراطية أن تكون جاهزة لتنظيم نفسها، وصياغة برنامج جذاب يحول دون انهيار روسيا بعد بوتين، وإلا وجب عليها التنافس في الانتخابات ليس مع حزب «روسيا الموحدة» بل مع المسلحين العائدين من الدونباس على نقاط التفتيش في شوارع روسيا. وعليه، يجب ان تسارع المعارضة إلى رص «التكنوقراط» في صفوفها لتطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأن تستعد لهذه الاحتمالات وتستبقها، عوض انتظار تمدد «نوفوروسيا الكبرى» إلى روسيا.

المصدر: صحيفة الحياة اللندنيه

Leave a Comment