News

روسيا وعلقم التسوية مع الغرب

روسيا، الاتحاد الأوربي

روسيا، الاتحاد الأوربي

لاديمير فرولوف
يبدو أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يخوض سباقاً ديبلوماسياً من اللقاءات هذا الشهر. ففي مطلع الشهر الجاري، عرجت المستشارة الألمانية، أنغيلا مركل، على سوتشي لإجراء محادثات معها حول أوكرانيا وسورية. وفي اليوم التالي، وصل الرئيس التركي أردوغان للتباحث في خطوات تركيا وروسيا في سورية. وفي 10 و11 أيّار (مايو)، سيتشاور الزعيمان الإسرائيلي والفلسطيني مع بوتين، وبعد أيّام قليلة يصل الرئيس الفيليبيني، رودريغو دوتيرتي، الى موسكو.
ومع ذلك، ففي كواليس هذه المناورات الديبلوماسية المحمومة، الكرملين متوتر. فهو لا يعتقد أن أي هدف من أهدافه الاستراتيجية – مثل رفع العقوبات الغربية – يمكن بلوغه بسهولة. ولا شك في أن الاجتماع مع مركل لم يكن سلساً. فالعقوبات المفروضة على روسيا ستبقى قائمة، ولم تناقش مسألة إعادة روسيا الى مجموعة الدول الثماني الكبرى. كما فندت المستشارة الألمانية مزاعم بوتين حول أصول الأزمة الأوكرانية وأسبابها. وتشبثت بموقف الغرب من كيفية تنفيذ اتفاقيات مينسك: سيطرة أوكرانيا على حدودها- وهذه السيطرة تتصدر الشروط السياسية كلها بما في ذلك تنظيم انتخابات محلية. وأضافت مركل مسألتين إنسانيتين حساستين إلى أجندة «روسيا – الغرب»: اضطهاد المثليين في الشيشان وحظر موسكو أنشطة شهود يهوه. ولكن خيبة الكرملين الكبرى هي في العلاقات مع واشنطن. ففي محادثات وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، في موسكو الشهر الماضي، عرضت إدارة ترامب رؤيتها الى التسوية الكبرى مع روسيا، ووقعت هذه وقع المفاجأة على الكرملين.
ورهنت واشنطن تحسن العلاقات الأميركية- الروسية بتغيير في سياسات موسكو ليس في سورية واوكرانيا فحسب بل كذلك في أفغانستان، من جهة، والالتزام بمعاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى وعدم التدخل بانتخابات الدول الغربية، من جهة أخرى. ولصبّ مزيد من الملح على الجرح، دعا المستشار الأمني القومي الأميركي، الجنرال ماكماستر، روسيا، إلى تغيير خطابها وأفعالها في مقابلة مع قناة فوكس نيوز في 30 نيسان (ابريل) المنصرم، وقال «إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يخالف مصلحة الشعب الروسي في علاقته مع الرئيس السوري، بشار الأسد، وفي مساعدة طالبان في أفغانستان». وهذا الكلام لم يخلف، طبعاً، انطباعاً جيداً في موسكو.
ومشكلة روسيا ثلاثية الأبعاد مع هذا النهج. أولاً، هي لا تستطيع أن توحي بأنها تغير سياستها نزولاً على ضغوط أميركية. ومن شأن تجاوب بوتين مع أميركا، أن يضعه على المنحدر الزلق كما غورباتشوف ويلتسين، فتهبط معدلات الدعم الشعبي له. وهذا انتحار في سنة الانتخابات. والمشكلة الثانية هي أن واشنطن لم توضح ما تقصده بـ «تحسن العلاقات»، فيما خلا رفع العقوبات. وأظهرت إدارة ترامب حماسة ضئيلة للمشاركة في موضوعات موسكو المفضلة مثل الأمن في أوروبا، أو الاعتراف بنظام عالمي محدث وجديد تشارك فيه روسيا بصفتها قوة عظمى. ولذا، لا يرى الكرملين أمامه سلة جذابة للقيام بتغيير جذري في سياساته. والمشكلة الثالثة هي أن أي تصحيح سريع وبنّاء للمسار السياسي متعذر من دون ظهور علامات ضعف على روسيا. وقد يكون في متناول موسكو أن تعدّل بعض سياساتها في سورية. وهذا ما تشير إليه المقترحات الروسية الأخيرة، ومنها إنشاء «أربع مناطق لتخفيف التصعيد» (تهدئة)، ونقل القوات الجوية السورية الى قاعدة جوية روسية لتيسير الرقابة الروسية عليها، واقتراح بوتين على واشنطن أداء دور في التسوية السياسية. ولكن في المسألة الأوكرانية، ليس في مقدور موسكو التنازل. ولا يمكن أن توافق على ما وصفه تيلرسون وبعده مركل بأنه شرط مسبق غربي، أي انسحاباً عسكرياً أحادي الجانب من الدونباس وتسليم الحدود إلى سلطة كييف – قبل تنفيذ الأجزاء السياسية من مينسك 2.
ومثل هذا التنازل هو مؤشر ضعف وتنازل أحادي عن موقف تفاوضي قوي على مستقبل أوكرانيا. فيما رفع العقوبات الغربية قد لا يعوض خسارة ماء الوجه المترتبة على «تصحيح المسار». ومن المستبعد أن تقوم موسكو بمثل هذه الخطوة السياسية في عهد بوتين. ويسري المنطق نفسه على الخلافات حول معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى. ولا يسع موسكو أن تقر بأنها انتهكت المعاهدة، كما تؤكد الولايات المتحدة، من دون أن تعترف واشنطن بأنها، بدورها، انتهكت المعاهدة هذه حين نشرت أنظمة الدفاع الصاروخي في رومانيا. وروسيا لا يمكنها التراجع. وهي تشعر بالمهانة لأن الإدارة الأميركية تتهرب من الاتفاق على موعد الاجتماع الأول بين الزعيمين، في وقت أن ترامب يبدو منفتحاً على الاجتماع بالرؤساء كلهم.
وتعتقد واشنطن أن قمة التعارف اليوم هي أكثر أهمية في حسابات بوتين مما هي في حسابات ترامب. فالرئيس الروسي يحتاج إلى فوز واضح في مثل هذا الاجتماع. وقد يتمكنا من التوصل إلى اتفاق على تسوية سياسية في سورية قبل لقائهما في قمة مجموعة العشرين في ألمانيا. وأخيراً، يبدو أن «الصفقة الكبرى» التي يدور الكلام عليها ليست «على الطاولة»، وتحل محلها اتفاقات مجزأة، حين تجد موسكو ما تقدمه لواشنطن. ومع ذلك، في الوضع الحالي، فهذا أفضل من لا شيء.
موسكو تايمز

Leave a Comment