News

سلبيات زيارة بوتين تركيا وإيجابياتها

روسيا، تركيا

روسيا، تركيا

إرول مانيصالي
زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تركيا جاءت في وقت بالغ الحساسية، سواء على مســـتوى العلاقات الثنائية بين تركيا والضيف الروسي أو على صعيد الظروف الإقليمية. فالغــرب فرض عقوبات على روسيا بسبب سياساتها إزاء أوكرانيا، وستخلّف العقوبات أثراً اقتصادياً غير مباشر في تركيا. ومواقف أنقرة وموسكو على طرفي نقيض في الشأن السوري، لكن تركيا تستورد 70 في المئة من موارد الطاقة من روسيا ولا غنى لها عن الغاز الروسي. وهذا الجانب من العلاقة تمكن تسميته «إدماناً استراتيجياً». ومرابطة بارجة أميركية في البحر الأسود هي وراء خلافات بين روسيا – التي ضمت القرم إليها – وتركيا المسيطرة على المضائق المائية والعضو في حلف شمال الأطلسي.
في المقلب الآخر من العلاقات الشائكة، يجمع تركيا وروسيا عدد كبير من الاستثمارات الاقتصادية المشتركة، أبرزها مفاعل أكويو النووي الذي تشيده روسيا في جنوب تركيا. فهل ترجح زيارة بوتين كفة مشكلات العلاقة التركية – الروسية أم كفة حسناتها؟ إثر الحرب الباردة، تنافست تركيا وروسيا على نقل ثروات آسيا الوسطى والقوقاز، وكادت المنافسة ان تنزلق الى حرب باردة، لكن البلدين تداركا الموقف، واتفقا على تصدر المصالح المشتركة الاقتصادية الأولويات، وتركا سياسة «الدعس على ذيل الآخر» أو مضايقة الآخر سياسياً واستفزازه. والتزمت تركيا أكثر من روسيا نهج المصالحة. فاعتمادها الكبير على الغاز الروسي الذي يولّد 70 في المئة من الطاقة في هذا البلد، اضطر أنقرة الى مجاراة موسكو وأن تربطها بها علاقات طيبة. وهذه سياسة لم يغيرها حزب «العدالة والتنمية» الذي حكم تركيا في الـ 14 سنة الماضية، بل بادر إلى ترسيخ الاعتماد على روسيا في ملف الطاقة.
ولا يغفل مراقبون تعاظم التعاون الروسي مع إيران وعدد من الدول الآسيوية، وهذا يؤثر في سياسة تركيا في سورية. وعلى رغم الخلاف الكبير مع طهران حول الملف السوري، لا تستطيع أنقرة أن تدخل في مجابهة علنية معها وتتصدى لها، بل تسعى الى مواجهة غير مباشرة تجنّب الطرفين المواجهة المباشرة. وزيارة بوتين تتناول أكثر الملف الاقتصادي والمصالح المشتركة. ويفاقم إشهار أنقرة الخلاف مع موسكو آلية خلافاتها مع طهران ودمشق وبغداد. ويُنتظر أن تبرم اتفاقات اقتصادية جديدة مع موسكو، لكن الاتفاقات هذه لا تؤشر إلى أن أنقرة تدعم موسكو، بل إلى ضرورات اقتصادية تضطر الخصمين الى التعاون. وترى تركيا ان ثمة توجهاً أميركياً وغربياً يرمي الى إفساح المجال أمام روسيا لتضع لمساتها السياسية على الحل المأمول في سورية. وتشي بذلك الزيارات الأخيرة للمعارضة والحكومة السوريتين الى موسكو، خصوصاً أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن ليست على وئام ولا اتفاق على الملف السوري ومحاربة «داعش».
لذلك، لا يستخف بأهمية التواصل السياسي بين أنقرة وموسكو. ولا تعير تركيا وزناً للعقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا. فهي بلد سيد أعلن أنه لن يلتزم هذه العقوبات، والموقف التركي ثغرة تمكّن موسكو من كسر عزلتها مع الغرب والتغلب على آثار تلك العقوبات اقتصادياً. لذا، تسعى تركيا إلى إبرام اتفاق تجارة حرة مع موسكو، وإلى اتفاق مماثل مع اليابان. فالاقتصاد التركي يحتاج إلى مثل هذه الاتفاقات، وإلى زيادة الصادرات الزراعية إلى موسكو وفوز شركات المقاولة التركية بمشاريع لمنشآت كرة القدم في روسيا عام 2018، وإلى مزيد من الغاز الروسي وتخفيضات في سعر الغاز. وقد يبدو وضع موسكو الاقتصادي عسيراً، لكن حاجة تركيا إلى التعاون الاقتصادي معهاملحة. لذا، يقتضي المنطق الديبلوماسي ان تنشغل الزيارة بمسائل الاتفاق والتعاون، وأن تترك المناكفات السياسية حول ملفات الخلاف. وتدرك كلتا الدولتين أنها لن تستطيع تغيير موقف الأخرى، لا في أوكرانيا ولا في سورية.

جمهورييت التركية

Leave a Comment