News

«قطار موسكو» يُـحيي مفردات الحرب في غرب البلقان

ساحة النصر في موسكو

ساحة النصر في موسكو

محمد م. الأرناؤوط
يمكن القول أن الأسبوع الذي أعقب وصول «قطار موسكو» الى كوسوفو كان الأسوأ والأكثر توتراً منذ عشر سنوات في غرب البلقان، حيث عادت الى الظهور للمرة الأولى مفردات الحرب مجدداً، بعد سنوات من تمجيد «تطبيع العلاقات» بين دول المنطقة، بخاصة بين صربيا وكوسوفو، وهو ما دعا دول الاتحاد الأوروبي إلى إجراء مشاورات سريعة وتفويض مسؤولة الشؤون الخارجية فريدريكا موغريني عقد قمة تجمع قادة الدولتين في بروكسيل. وقد ترافق ذلك مع الأيام الأخيرة لرئاسة باراك أوباما، التي حرصت إدارته على تسجيل آخر هدف في المرمى الروسي قبيل تولّي الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه.

«قطار موسكو» وما خلّفه
مع تزايد النفوذ الروسي في صربيا والانتشار الصربي في الدول المجاورة خلال 2016، كشفت الصحافة الصربية عن تدشين خط حديدي مباشر يربط بلغراد بمدينة متروفيتسا في شمال كوسوفو (غالبية صربية)، قادته قاطرة روسية قدمت هدية من موسكو. «قطار موسكو» شكّل استفزازاً بل تحدياً للحكومة الكوسوفية لأنه حمل «رسالة» بـ21 لغة من لغات العالم تقول «كوسوفو هي صربيا»، وأرسلت الحكومة الكوسوفية وحدة من القوات الخاصة الى نقطة الحدود الصربية – الكوسوفية لمنع دخول القطار بالقوة مرة أخرى في منتصف ليلة 14 – 15 كانون الثاني (يناير) الجاري.
وعلى الفور، أعلن رئيس الحكومة الصربية ألكسندر فوتشيتش في 15 الجاري، أنه قد أصدر أوامره بوقف سير القطار وإعادته الى بلغراد لتجنب «تعريض حياة الناس للخطر وتجنب نزاع كبير».
إرسال هذه القوة المتواضعة الى الحدود الدولية مع صربيا (التي لا تعترف بها بلغراد لأن الدستور الصربي لا يزال ينصّ في مقدمته على أن كوسوفو «جزء لا يتجزأ من صربيا») أثار التوتر السياسي في شكل غير مسبوق منذ 2008 بسبب مسارعة رئيس الجمهورية توميسلاف نيكوليتش الى التصريح في اليوم التالي لجريدة «كورير» الصربية المعروفة، بأنه «ليس مع الحرب» لكنه مستعد «لإرسال الجيش الى كوسوفو لو تعرّض الصرب فيها للخطر». وذهب الرئيس نيكوليتش في تصريحه الى حد القول أنه «مستعد لترك منصب الرئاسة والذهاب مع أولاده للقتال في كوسوفو إذا تعرض الصرب فيها للخطر».
تصعيد نيكوليتش يرتبط بالاستعداد لانتخابات 2017 الرئاسية، حيث أنه ضمن تأييد موسكو له وأراد من هذا التصعيد أن يضمن تأييد اليمين القومي في صربيا، وهو ما كان واضحاً في الكاريكاتور الذي نشرته الجريدة الصربية المعروفة «داناس» في اليوم التالي، الذي يظهر صعود نيكوليتش «المقاتل» الى صندوق الانتخابات. لكن اليمين القومي في صربيا أحبط نيكوليتش، إذ إن رئيس «الحزب الراديكالي الصربي» فويسلاف شيشل الذي يمثله في البرلمان الصربي ويدعو الى وقف التفاوض مع الاتحاد الأوروبي والتحالف مع روسيا، انتقد في تصريح لجريدة «كورير» في اليوم التالي موقف الرئيس نيكوليتش الذي جاء في «لحظة غير مناسبة» لأنه كان يفضل انتظار تولّي الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه وتحسن العلاقات الروسية – الأميركية حتى يطالب بعودة الجيش الروسي الى كوسوفو (التي كان قد دخلها في حزيران – يونيو 1999 لكنه غادرها بسرعة بعد اتفاق أميركي – روسي ليتركها حصراً لقوات حلف شمال الأطلسي). ومع الثقة بفوزه في الانتخابات الرئاسية في ربيع 2017، أضاف شيشل أنه مع تحسن العلاقات الروسية – الأميركية سيكون قد أصبح رئيساً للجمهورية قائداً عاماً للجيش الصربي، ويمكنه حينئذ أن يسمح للرئيس الحالي نيكوليتش بأن يتولى قيادة مفرزة من المتطوعين إذا رغب في ذلك.
ردات الفعل المحلية في صربيا ضد بعث أجواء الحرب جاءت أقوى مما كان يتوقعه الرئيس نيكوليتش. فقد فُهمت رسالة نيكوليتش بسرعة (التصعيد لأجل ضمان فوزه في الانتخابات الرئاسية القريبة)، لذلك خصّصت أوسع الجرائد الصربية انتشاراُ «بليتس» Blic غلاف عددها في 17 الجاري لصورة الرئيس نيكوليتش بالزي العسكري مع مانشيت عريض يقول: «أيها الرئيس، اذهب أنت الى الحرب واتركنا بسلام».
في اليوم ذاته، أرسل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رسالة قوية الى الأطراف الصربية المحسوبة على روسيا تقول: «لن نسمح بنزاع في البلقان»، وفي الوقت نفسه أيد الموقف الصربي «بعدم جواز وجود القوات الكوسوفية الألبانية في شمال كوسوفو» ذي الغالبية الصربية (داناس 17/1/2017). وفي هذا السياق، جاء بعد يومين تصريح رئيس الحكومة الصربية ألكسندر فوتشيتش، المرشح القوي للانتخابات الرئاسية، الى جريدة «ريببليكا» الإيطالية، الذي يقول فيه: «نحتاج الى حوار وليس الى حرب في قلب أوروبا».
شعرت بروكسيل بأنها المعنية الأولى بهذه الانتكاسة المفاجئة بعد أن رعت خلال سنوات «تطبيع» العلاقات بين صربيا وكوسوفو وصولاً الى توقيع الطرفين على «اتفاق بروكسيل» 2013 الذي استند الى روح التفاوض لحل المشاكل وليس التهديد بالقوة . لذلك دعت مسؤولة الشؤون الخارجية فريدريكا موغريني منذ اليوم الأول، الطرفين الى «تجاوز المفردات البلاغية التي يمكن أن تؤدي الى الصدام»، وضغطت لعقد قمة بين قادة صربيا وكوسوفو في بروكسيل، يتوقع أن تؤدي الى تهدئة التصريحات والعودة الى روح التفاوض والحلول الوسط.

«هدية» أميركية الى ألبانيا
كشفت وزيرة الدفاع الألبانية ميمي كوذيلي عن «هدية» سلاح أميركية مهمة لألبانيا تشمل 250 عربة مدرعة ستسلم على دفعتين. وقد أثار هذا الأمر الاهتمام الفوري في اليونان، الحليفة التاريخية لصربيا، التي شهدت العلاقات بينها وبين ألبانيا أزمة سياسية في 2016 بسبب الأقلية الألبانية (التشام) في اليونان، علماً أن «قانون الحرب» لعام 1940 بين الدولتين لا يزال قائماً مع أن العلاقات السياسية تحسنت مع وجود الاشتراكيين في الحكم هنا وهناك.
ووفق موقع «بنتانوست أغما» اليوناني، فإن «هدية» السلاح الأميركية الى ألبانيا «حركة واضحة من واشنطن تجاه ما حدث بين صربيا وكوسوفو»، وهو جاء في الأيام الأخيرة لإدارة أوباما لتسجل هدفاً في المرمى الروسي لتقوية الحاجز المواجه للتقدم الروسي في البلقان نحو البحر الأدرياتيكي بدعم ألبانيا والجبل الأسود وكرواتيا التي تمتد على طول الشاطئ الشرقي لهذا البحر. وجاء هذا في الوقت الذي أعلنت وزيرة الدفاع الألبانية «نحن ساعدنا حلفاءنا وهم يساعدوننا الآن»، في إشارة الى زيارة رئيس وكالة المخابرات المركزية CIA الى تيرانا في نهاية 2016 وما رشح عنها من تعاون أمني بين الطرفين (جريدة «كوها» 22/1/2017).

الحياة

Leave a Comment