News

قواعد الاشتباك الروسية تتغير في حدائقها الخلفية

قواعد الاشتباك الروسية تتغير في حدائقها الخلفية

ساحة النصر في موسكو

شاهر الحاج جاسم

كلما اقتربنا من 100 عام على المعاهدات الدولية، تزداد سخونة الأحداث حول بؤر الصراع في مناطق عدة من العالم، وعلى وجه الخصوص في مناطق نفوذ القوى التقليدية التي تريد الحفاظ على مكتسباتها القديمة، و تتصادم حاليا مع قوى جديدة تريد فرض قوتها ونفوذها.

يشهد العالم تغير سريع في معادلات التحالف التقليدية، فالتطورات الجارية وشدة التنافس التي تزداد يوما بعد يوما بين الحلفاء و الخصوم على حد سواء، قد تستمر لعدة سنوات أخرى، بوتيرة أقوى وبأشكال مختلفة من الصراع، لاسيما بعد انتشار وباء كورونا ، الذي بدأ بإنهاك الدول اقتصاديا وسياسيا، وأظهر مدى هشاشة بعضها بعد انكماشها على نفسها.

احدى بؤر هذه التوترات المرجحة للاشتعال منطقة آسيا الوسطى، و القوقاز و بيلاروسيا ، حدائق روسيا الخلفية، و مناطق نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري، لكن هذا النفوذ بدأ يتأكل رويدا رويدا لصالح اطراف أخرى مثل الصين وأميركا وتركيا وإيران وغيرها، بالإضافة الى رغبة حكام هذه الدول التخلص من الإرث السوفياتي، والتمسك بالأرث المحلي.

وما نشهده هذه الأيام في بيلاروسيا من احتجاجات ضد الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، بغض النظر عن ظروف وأسباب هذه الاحتجاجات، هو تهديد مباشر لموسكو، لاسيما اذا وصل الى الحكم ، جهات تفضل التعامل مع الغرب على حساب روسيا ،كما سبق و حصل في جورجيا و اوكرانيا .

منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، والتدخل العسكري الأميركي في أفغانستان أنذاك، بدأت الأنظار الأميركية تتجه نحو آسيا الوسطى، كشريك إستراتيجي مهم في محاربة الإرهاب والقضايا الأمنية، بالإضافة الى أهميتها في قطاع ثروات الطاقة، وإمكانية جعلها بؤرة صداع للكرملين في المنطقة، كما جرى في أوكرانيا وجورجيا، وفي الوقت ذاته تهديد للمصالح الاقتصادية الحساسة للصين .

رصدت بعض التقارير الروسية ودول المنطقة خلال السنوات الأخيرة، اهتمام بالغ من قبل واشنطن بتخصيص برامج منح وتدريب لصحافيين وناشطين في مجالات حقوقية و إعلامية مختلفة، وهو ما يثير قلق موسكو و عواصم دول المنطقة من تكرار تجربة ما يسمى الربيع العربي في المنطقة، في سيناريو مشابه لما جرى في العالم العربي.

كما استغلت الصين انشغال الدب الروسي خلال السنوات الماضية، في القضايا السياسية والاقتصادية على الصعيد المحلي والدولي، ما أدى الى تقلص النفوذ الروسي في هذه المنطقة، فاندفعت الصين لتغطية هذا النفوذ عبر الاتفاقيات والمعاهدات التجارية، حتى انها تفوقت على موسكو في بعض الأحيان، وفقا لتقارير التبادل التجاري الصيني مع دول آسيا الوسطى.

يرى بعض الخبراء في المنطقة، ان تنامي النفوذ الصيني في الجوار الروسي القريب، غير مقلق لموسكو على المدى القريب، بل هو مصلحة روسية طالما اقتصر على الاستثمار والتعاون التجاري، لكن سوف يصبح أشد خطرا على المدى البعيد، لاسيما إذا قررت بكين حماية مصالحها الاقتصادية عبر الوسائل العسكرية أو إقامة قواعد عسكرية لتأمينها، وهو ما قد يعرض الوجود الروسي في المنطقة للتهديد.

تركيا من القوى الصاعدة في المنطقة، رغم قدرة كل من موسكو وأنقرة على إيجاد حلول للخلافات القائمة بين الطرفين في العديد من الملفات وتجاوز العقبات، الا ان موسكو ترى تنامي النفوذ التركي في دول آسيا الوسطى والقوقاز مثير للقلق. وهو ما أشارت اليه صحيفة “غازيتا رو” الروسية، في مقال نشرته قبل فترة، أن تركيا تراهن على التفرد بزعامة البلدان الناطقة بالتركية. وهنا تتصادم مصالح أنقرة مع مصالح موسكو، وأضافت الصحيفة، إن البلدان الناطقة بالتركية “أذربيجان وأوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان وتركمانستان” هي أجزاء من الفضاء ما بعد السوفياتي، حيث تأمل روسيا في الحفاظ على نفوذها.

في هذا السياق، يعبر ساسة روس عن عدم الرضا تجاه كل ما يقدمونه لدول آسيا الوسطى و دول سوفياتية سابقة أخرى ، من امتيازات سياسية وعسكرية وشطب مستمر للديون المتراكمة على تلك الدول ، الا ان حكام المنطقة لم يقدموا أي دعم حقيقي لموسكو في صراعها السياسي والعسكري، سواء في سوريا او شبه جزيرة القرم.

الجدير بالذكر، تحاول أنظمة آسيا الوسطى و جنوب القوقاز اتخاذ العديد من الإجراءات، التي تجعلها خارج الفضاء السوفياتي، لاسيما بعد اعتماد بعضها خطة لجعل اللغة المحلية لغة رسمية وحيدة في البلاد و استبعاد الروسية.

تدرك روسيا ان أي تحالف او تغير في التوجهات السياسية لأنظمة الحكم في الدول السوفياتية السابقة ضدها، سوف يكون مصدر فوضى يهدد أمنها القومي، لاسيما ان عدوى الانتقال قد تكون سريعة للداخل الروسي بسبب تشابك المصالح والعلاقات على كافة الأصعدة فيما بينهم.

 

نقلا عن ترك برس

Leave a Comment