News

هل تنجح أمريكا في إبعاد كازاخستان عن روسيا؟

هل تنجح أمريكا في إبعاد كازاخستان عن روسيا؟

هل تنجح أمريكا في إبعاد كازاخستان عن روسيا؟

شاهر الحاج جاسم

تتداول الأوساط السياسية والإعلامية الروسية، منذ سنوات، المخاطر والسيناريوهات التي تستهدف النفوذ الروسي في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وعلى وجه الخصوص الدول الواقعة في آسيا الوسطى، ولاسيما التحالفات القائمة مع أنظمة المنطقة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية منذ ثلاثة عقود.

انتخابات برلمانية

تستعد جمهورية كازاخستان الدولة السوفييتية السابقة، في 10 يناير/ كانون الثاني من العام المقبل، لإجراء انتخابات برلمانية، في الوقت الذي تمر به الدول في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي في حالة من القلق والترقب، لاسيما بعد احتجاجات بيلاروسيا التي وقعت على خلفية رفض المعارضة نتائج الانتخابات الرئاسية، وأزمة وانقلاب قيرغيزستان بعد الانتخابات البرلمانية، في ظل الاقتصاد المتعثر بسبب جائحة كورونا التي زادت من غضب الشعوب ونقمتها.
وبالتزامن مع الانتخابات البرلمانية الكازاخية المزمع إجراؤها الشهر المقبل، كشف بعض المراقبين الروس عن خشيتهم من تكرار السيناريو البيلاروسي في كازاخستان، من خلال احتجاجات قد تخرج لتشكك في مصداقية الانتخابات، وتفتح الباب على مصراعيه أمام حالة من الفراغ السياسي في أهم المؤسسات التشريعية للدولة.
و تتحدث تقارير روسية عن الدعم الكبير من قبل الولايات المتحدة للناشطين والمنظمات العاملة في مجال الحريات والمجتمع المدني، عبر تقديم المنح الدراسية والدورات التدريبية، ناهيك عن الدعم المادي خلال السنوات الأخيرة.
وستخوض عدة أحزاب في سباق الانتخابات البرلمانية، وهي: الحزب الحاكم «نور وطن» الحزب الشيوعي لكازاخستان، حزب كازاخستان الديمقراطي، الحزب الوطني الاشتراكي الديمقراطي، حزب بيرليك، حزب الشعب الديمقراطي.

مرحلة جديدة

في هذا السياق، كتبت السفارة الأمريكية في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان على حسابها في موقع تويتر، «نشعر بالقلق من التقارير التي تفيد أن السلطات الكازاخستانية تهدد بإغلاق المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، على أساس مطالبات ضريبية قبل الانتخابات البرلمانية».
وأضافت السفارة في الوقت ذاته: «أن الأصوات المستقلة جزء لا يتجزأ من المجتمع المفتوح» و جاء ذلك، عقب قيام السلطات الكازاخية بتهديدات بإغلاق بعض المنظمات الحقوقية.
يشار إلى أن كازاخستان قامت خلال العامين الماضيين، بتغييرات كبيرة في مفاصل الأجهزة الحكومية، شملت مناصب حساسة، وهو ما اعتبره البعض، بداية مرحلة جديدة كبيرة، سوف تغير وجه كازاخستان، لاسيما بعد الاستقالة المفاجئة لرئيس كازاخستان الأول نور سلطان نازارباييف قبل عامين، والتي أطلق عليها آنذاك «عملية انتقال سلمي للسلطة» إذا ما أخذنا بعين الاعتبار، أن هذا النوع من الاستقالات غير مألوف في المنطقة الخارجة من عباءة الاتحاد السوفييتي.
استطاعت كازاخستان الدولة الفتية، خلق نوع من التوازن الجيوسياسي مع القوى الدولية والإقليمية، في المنطقة خلال العقود الماضية، عبر الاعتماد على الدعم السياسي والعسكري من الجانب الروسي، وتسهيل الاستثـمارات الصـينية في البلاد، والانفتاح على الغرب، دون ازعاج صانع القرار في الكرمـلين.
لكن لم تكن نظرة القيادة الروسية خلال السنوات الأخيرة، تجاه المواقف في عموم الدول السوفييتية السابقة بشكل إيجابي، حيث لم تقدم تلك الدول الدعم المطلوب لموسكو، في العديد من الملفات الدولية والإقليمية، والتي كانت روسيا طرفا أساسيا فيها، مثل أزمة اوكرانيا، أو التواجد الروسي في سوريا.

الاستقرار الداخلي

وقد تدفع العديد من العوامل روسيا وكازاخستان لتجديد تحالفهما، للحفاظ على الاستقرار الداخلي في البلاد، وإنقاذ الأخيرة من الغرق في تيار القوة الصيني، لاسيما بعدما أثبتت موسكو أكثر من مرة وقوفها بقوة مع حلفائها وهو ما لم تفعله واشنطن.
و تسير موسكو و نور سلطان نحو بعضهما جملة من العوامل، ابتداء من انكفاء واشنطن عن العديد من المناطق في العالم، والتنافس المتصاعد بينها وبين موسكو وبكين، والتصريحات التي تصدر من الإدارة الأمريكية الجديدة عن محاربة النفوذ الروسي، ومحاولة فتح عدة جبهات في الجوار الروسي لإغراق الكرملين في مستنقع لا يعرف نهايته، حيث أغلب التحركات والاحتجاجات الشعبية كانت تنتهي باستهداف المصالح الروسية في المنطقة.
و تشعر موسكو بالقلق، من التغيير التدريجي الذي يطرق أبواب الدول السوفييتية السابقة، واحدة تلو الأخرى، والخوف من حصول فراغ سياسي يليه فوضى قد تنتقل بأي لحظه إلى روسيا، في ظل المتاعب الاقتصادية المتزايدة التي يمر بها العالم، وتلقي بكاهلها على معيشة المواطنين، لكن ذلك ليس بالضرورة أن يجبرها على تقديم المساعدة لأي دولة سوفييتية سابقة، إذا لم يكن هناك مقابل لذلك الدعم.
اللافت، هو الصمت الصيني الغريب تجاه ما يجري من أحداث هامة في هذه المنطقة المتاخمة لها، لاسيما أنها تعتبر منطقة آسيا الوسطى عصب الحياة الاقتصادية لبكين، وبوابة لعبور مشاريعها الضخمة إلى العالم، ناهيك عن الاستثمارات الهائلة التي أنفقتها في البنية التحتية لدول المنطقة، ما يجعل أمن المنطقة واستقرارها أمنا قوميا واقتصاديا هاما للقيادة الصينية، وبالتحديد بعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من أفغانستان وما لذلك من آثار على المنطقة.

باحث في الشؤون الدولية

نقلا عن صحيفة القدس العربي

Leave a Comment