News

لماذا أصبحت كازاخستان جاذبة للاستثمارات؟

كازاخستان

كازاخستان

عبدالله المدني
كازاخستان، التي تبلغ مساحتها نحو ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، ويسكنها نحو 17 مليون نسمة، وتحتل المرتبة الـ12 عالميا لجهة إنتاج النفط، والتي يمثل النفط نحو 56 في المائة من قيمة صادراتها، ونحو 55 في المائة من ميزانيتها العامة هي إحدى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي السابق في كيان مستقل عام 1991، كما هو معروف للجميع.
وهي لئن جمعتها مع جاراتها الأربع (أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقرغيزستان) عوامل مشتركة، تاريخية وجغرافية ودينية وثقافية وإثنية، ناهيك عن الأحرف الثلاثة الأخيرة من الاسم، فإنها تختلف اختلافا جذريا عن هذه الكيانات المستقلة لجهة تنوع تضاريسها، وجودة البنية التحتية، وانخفاض معدل الأمية (تبلغ نسبة المتعلمين 99.5 في المائة من إجمالي عدد السكان)، والناتج القومي الإجمالي (232 مليار دولار عام 2012)، ومعدل الدخل الفردي السنوي (14 ألف دولار عام 2012)، ومؤشر التنمية البشرية (يقف عند 69 درجة وهي درجة عالية)، وامتلاكها احتياطيات مؤكدة من النفط والغاز تفوق تلك الموجودة في العراق، وامتلاكها ثاني أكبر احتياطي من اليورانيوم والكروم والرصاص والزنك، وثالث أكبر احتياطي من المنجنيز، وخامس أكبر احتياطي من النحاس، ووجودها ضمن المراكز العشرة الأولى في تصدير الفحم، والحديد، والذهب، الأمر الذي جعلها تحت مجهر القوى العالمية والإقليمية الكبرى ابتداء من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وانتهاء باليابان والصين والهند وتركيا وإيران وإسرائيل ودول منظومة آسيان كدولة يمكن استغلال مواردها ووضعها الجيوسياسي. العرب وحدهم لم يهتموا كما يجب بظهور هذه الدولة على الخريطة السياسية، ولم يراقبوا مليا ما يجري فيها من حراك اقتصادي، وما توفره من فرص استثمارية مجزية إلا فيما ندر.
وسبب حديثنا اليوم عن هذه الدولة الإسلامية الصاعدة، هو تقرير نشره موقع العربية نت أخيرا تحت عنوان: “كيف جذبت كازاخستان 200 مليار دولار في أقل من عشر سنوات؟”، ملخصه هو أن كازاخستان نجحت، من خلال تقديم الكثير من الحوافز والإعفاءات الضريبية، وتسهيل إدخال رؤوس الأموال وإخراجها، وتسهيل الحصول على تأشيرات الدخول والإقامة واستيراد العمالة الأجنبية والسلع الرأسمالية، في أن تجذب استثمارات ضخمة ما بين عامي 2005 و2014 معظمها من الولايات المتحدة ودول أوروبا واليابان، والقليل منها من دول الخليج العربي، وموجهة إلى قطاعات الزراعة والبتروكيماويات والتعدين والطاقة.
والحقيقة أنه لا مجال للشك في أن الحوافز والإعفاءات والتسهيلات المذكورة لعبت دورا كبيرا في جذب تلك الاستثمارات الضخمة إلى دولة نائية مثل كازاخستان، غير أن ما أهمله التقرير هو الإشارة إلى عامل آخر، أعتقد شخصيا أنه لعب الدور المحوري فيما تحقق. هذا العامل هو البيئة الآمنة والمستقرة. فرؤوس الأموال جبانة، كما يقولون، وبالتالي تحرص على الذهاب للاستثمار في الدول المستقرة وحدها، وتتحاشى الدول المضطربة.
وهذا وحده يفسر لماذا لم تذهب الاستثمارات المذكورة إلى دول ملاصقة لكازاخستان مثل أوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان وتركمانستان، التي ترزح تحت أنظمة سياسية ضعيفة مهددة من الجماعات الإسلاموية المتطرفة العابرة للحدود من باكستان وأفغانستان، خصوصا مع وجود حواضن اجتماعية في هذه الجمهوريات لتلك الجماعات الدموية المتشددة، بسبب تفشي الأمية والجهل والتخلف الاجتماعي.
وعلى الرغم مما تثيره جماعات حقوق الإنسان الغربية والمراقبون الدوليون بين حين وآخر من انتقادات حول ديكتاتورية وفساد نظام الرئيس الكازاخي الحالي “نور سلطان نزارباييف”، الذي ظل يحكم البلاد بصورة متواصلة منذ عام 1991، بل كان أيضا الآمر والناهي في كازاخستان تحت حكم الشيوعيين السوفييت، فإن ديكتاتورية الرجل المدعومة بشعبية واسعة في أوساط الناخبين، ناهيك عن سياساته وبرامجه المتمحورة حول تشجيع اقتصاد السوق، والانفتاح على الغرب، والضرب بيد من حديد على الإرهاب، وتشجيع التسامح الديني، ومحاصرة انتشار الأسلحة النووية، وتنويع الاقتصاد، والسعي إلى جعل كازاخستان ضمن الـ30 دولة الأكثر تقدما بحلول عام 2050، وإضافة إلى كل ما حققته كازاخستان من تقدم علمي وتكنولوجي، وبنية تحتية جيدة، وتفوق أكاديمي، وأمن غذائي زمن خضوعها للاتحاد السوفيتي، وغير ذلك من الأمور هي التي أمنت لهذه البلاد بيئة جاذبة للاستثمار.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن الرئيس نزار باييف سار على خطى زعماء آخرين من قارته الآسيوية ممن حكموا وفق نظرية “المستبد العادل”؛ أي الذي يتمسك بالسلطة، ويحارب خصومه من أجلها، بل يتجاوز أحيانا قيما تدخل في صلب مبادئ الديمقراطية والحريات، وذلك للاستمرارية التي تتحقق معها برامج وأهداف وغايات عامة نبيلة تصب في النهاية في صالح المواطن والأمة. كذلك فعل ديكتاتور كوريا الجنوبية “بارك شونغ هي”(والد الرئيسة الحالية السيدة باك غين هي) الذي لولا حزمه وقبضته الحديدية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لما تحولت بلاده إلى دولة صناعية. ومثله فعل “لي كوان يو” باني المعجزة السنغافورية منذ استقلال بلده، وهوــ إلى حد ما ــ نفس ما فعله الدكتور مهاتير محمد صاحب المعجزة الماليزية خلال سنوات حكمه الطويلة التي امتدت من 1981 إلى 2003.

نقلا عن الاقتصادية

Leave a Comment