News

الثنائية القطبية أثر بعد عين رغم التدخل العسكري الروسي

روسيا

روسيا

فلاديمير فرولوف
لعل «غير ناجز» هي العبارة الأمثل لوصف نتائج التدخل العسكري الروسي في سورية، إثر إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المفاجئ وقف العملية بعد 167 يوماً من الغارات الجوية المكثفة. ولم يرمِ تورط بوتين في الحرب الأهلية السورية الطاحنة الى تحقيق النصر. وكان جلياً أنّ حجم القوات التي نشرتها موسكو في سورية لم يكن كافياً للغلبة والفوز. فالعملية العسكرية سعت الى غايات سياسية محدودة سبق ان حاولت موسكو تحقيقها من طريق الديبلوماسية. ومن هذه الأهداف الحؤول دون هزيمة حليف قديم. لذا، اقتضى دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد في معركته ضد المعارضة المدعومة من الخارج والجماعات «الجهادية». وإلى إنقاذ الحليف، رمى التدخل الى الحؤول دون تدخل عسكري غربي في سورية ودون إنشاء مناطق حظر جوّي أو ملاذات إنسانية آمنة.
وغيّر التدخل الروسي مسار الحرب، وشدّ قبضة الأسد في شطر راجح من غرب سورية. كما أدّى إلى إضعاف قوى المعارضة المعتدلة وإطاحة زخمها العسكري. لكن التدخّل هذا لم يؤدِ الى نصر حاسم للنظام. وعبر المشاركة في الحرب السورية، ساعد بوتين الأسد في إدارة المعركة الى ان بلغ طريقاً مسدوداً ليحمل الطرفين الى طاولة المفاوضات. والوضع اليوم في سورية بعيد من الاستقرار، فموازين القوى غير راسخة وقابلة للانقلاب رأساً على عقب، وموقع الأسد غير آمن. وفي وسع روسيا، طبعاً، العودة الى سورية بسرعة إذا انهارت الهدنة الجزئية، فهي ترابط عسكرياً في قاعدتين كبيرتين. لكن هذه العودة مهينة وتترتب عليها كلفة باهظة. ولو لم يضمن بوتين التفاهم مع رعاة المعارضة الإقليميين على أن يحترم حلفاؤهم الهدنة ويشاركوا في التفاوض بحسن نية، لكانت استراتيجيته تستند الى الأمل وتتعلق بحباله. وليس هي سينزل الأسد على مطلب موسكو، أي التفاوض والاتفاق على تقاسم السلطة مع المعارضة.
حقق بوتين نجاحاً أكبر في هدفه الثاني (من التدخل في سورية): إنهاء العزلة الديبلوماسية الروسية الناجمة عن الأزمة في أوكرانيا. واستعداد روسيا لاستخدام القوة العسكرية حيث كانت الولايات المتحدة تتردد، ساهم في إحياء التعاون الروسي- الأميركي. فموسكو زودت واشنطن استراتيجية في وقت كانت جعبتها خاوية من الحلول. واتفاق وقف النار الجزئي الذي أرسي، على وقع المساعي الأميركية والروسية المشتركة، هو مرآة أمينة للرؤية الروسية التقليدية الى مثل هذه التسويات: املاء القوتين العظميين شروطهما على الدول التابعة لهما. وبلغت المغامرة السورية الغاية الإستراتيجية منها، اي العودة الى الثنائية القطبية بين روسيا والولايات المتحدة، وإلى التعاون بين القطبين. ويبرز التنافس على النفوذ كما كانت الحال في الحرب الباردة، عشية زيارة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، المرتقبة إلى موسكو.
ومع ذلك، فإن «المهمة» البوتينية غير ناجزة. ويرغب الكرملين في جعل سورية نموذجاً ليس للعلاقات مع الولايات المتحدة فحسب، بل لإرساء قواعد جديدة للعلاقات الدولية. وأشار وزير الخارجية، سيرغي لافروف، في مقابلة تلفزيونية في 13 آذار (مارس) الماضي، الى إنّ موسكو ترغب في تسوية الصراع في الدونباس ثنائياً مع الولايات المتحدة. وهذا ليس كله بعيد المنال. وناقشت مساعدة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، ومساعد بوتين، فلاديسلاف سوركوف، مسألة استبدال القادة الانفصاليين في الدونباس بالأوليغارشيين الأوكرانيين، رينات اخميتوف ويوري بويكو. وهذا حل تقبله كييف وموسكو، على حد سواء. لكن الغرب لم يرفع أي عقوبات عن روسيا تقديراً لدورها في سورية.
وإذا كان لحلم موسكو بـ «الثنائية القطبية الجديدة» مع واشنطن أن يبصر النور، على الكرملين أن يتخلى عن نهج تعادل الخسائر والأرباح، ويبدأ بالاستناد الى مبدأ المقايضة في جدول الأعمال المشترك، أي تطوير مبدأ الحلول المشتركة، عوض كسب النفوذ عبر التحوُّل إلى جزء من المشكلة. والسبيل الامثل الى الحلول المشتركة هو تغيير لائحة أهداف الآلة العسكرية الروسية وتركيزها على «داعش» في سورية، وربما في العراق وليبيا. سوَّغ بوتين عمليته في سورية بالحاجة إلى القضاء على تنظيم «داعش»، كما دعا الى تشكيل تحالف دولي. اليوم، بعد ستة أشهر من هذه العملية، لم تبلغ هذه الاهداف ولم تنجز المهمة.

 «موسكو تايمز» الروسي
ترجمة الحياة

Leave a Comment