- كوريا الجنوبية تخصص 3 ملايين دولار لدعم جهود مكافحة تغير المناخ في آسيا الوسطى
- شينجيانغ تطلق خط شحن سككي جديد لدعم التجارة مع آسيا الوسطى
- طاجيكستان والكويت تسعيان لتعزيز التعاون الاقتصادي وتأسيس صندوق استثماري مشترك
- قرغيزستان تفتح أبوابها للسياح الصينيين دون تأشيرة: خطوة لتعزيز السياحة والتعاون الاقتصادي
- أذربيجان وقرغيزستان تعززان الشراكة الدفاعية بتوقيع خطة التعاون العسكري لعام 2025
- دعوات إلى إحلال السلام ووقف الحروب في قمة بريكس في روسيا
- العراق يعزز قدراته الكهربائية باتفاقية جديدة لاستيراد الغاز من تركمانستان
- التوجه التركي الجديد: إعادة تسمية “آسيا الوسطى” بـ”تركستان” وأبعاده الاستراتيجية
- أذربيجان تشارك كضيف في اجتماع وزراء الطاقة لدول آسيا الوسطى في طشقند
- زيادة قياسية في إنتاج حقل تنغيز النفطي بكازاخستان قد تؤثر على التزام البلاد بحصص “أوبك بلس”
- كازاخستان تصارع من أجل توافق إنتاجها مع قيود حصص أوبك +
- السعودية وطاجيكستان تبحثان سبل تعزيز التعاون المشترك
- في كازاخستان.. اجتماع قمة زعماء آسيا الوسطى يوافق على ثلاث وثائق نهائية
- اتفاق لتعزيز النقل عبر ممر “الشمال – الجنوب” بين إيران وروسيا وكازاخستان
- «شنغهاي للتعاون»… وعالم التعددية القطبية
تطبيع العلاقات مع إسرائيل: المقابل العملي للصمود من دون تعنت
جاهد طوز
شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية منذ تأسيسها عام 1949، مراحل صعودٍ وهبوط من وقت لآخر، وعبرت تركيا عن موقفها الواضح إزاء الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعوب العربية وخاصة الشعب الفلسطيني. تدهورت تلك العلاقات على خلفية سياسات إسرائيل العنيفة تجاه الفلسطينيين، ومجزرة سفينة “ماوي مرمرة” المشاركة في إسطول الحرية لفك الحصار عن قطاع غزّة (2010)، بعد أن كانت قد شهدت زخمًا كبيرًا عام 1990.
عادت العلاقات لتدخل في مرحلة التطبيع، بعد تحقيق إسرائيل المطالب التي حددتها تركيا ورسمت معالمها، في إطار المفاوضات التي جرت بالعاصمة الإيطالية روما. ووفقًا لمتطلبات السياسة الواقعية، يمكن اعتبار هذه الاتفاقية التي راعت مصالح الشعب الفلسطيني وكانت لصالحه، أنها إنجاز هام في تاريخ السياسة الخارجية التركية، فهي أجبرت إسرائيل على قبول شروط تركيا، وعدم المساس بالمبادئ والمصالح التركية وحمايتها.
القضية الرئيسية التي ينبغي الوقوف عندها، هي المقصود من تطبيع العلاقات. إن هذه الاتفاقية لم تجعل من إسرائيل بلدًا صديقًا ولا عدوًا بالنسبة لتركيا، التي لا تزال في دافوس، حيث قال أردوغان لإسرائيل “وان مينت” (2009)، كما أن القضية الفلسطينية ليست عبارة عن مسألة سياسات خارجية بالنسبة لأنقرة، وستواصل تركيا مواقفها تجاه هذه القضية حتى إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي هذا الإطار، أود التأكيد على نقطة مهمة للغاية، وهي أن الاتفاقية التي تم التوصل إليها، أتاحت لتركيا القدرة على تقديم المساعدة للفلسطينيين عامة، وإمكانية قيامها بدول أكبر على صعيد حل مشكلة قطاع غزّة خاصة، لذا نستطيع القول إن هذه الاتفاقية جاءت لتلبي تطلعات وآمال الشعب الفلسطيني في المقام الأول، سيما وأن الوضع الإنساني المتدهور الذي يشهده قطاع غزّة حاليًا، يكاد لا يخفى على أحد.
إن سكان القطاع يعانون يوميًا بسبب المشاكل المرتبطة بنقص المواد الغذائية ومياه الشرب والبنية التحتية وانقطاع التيار الكهربائي، لذلك، فإن هذه الاتفاقية تمنح تركيا فرصة فتح ممر إنساني للقطاع، يرفع الحصار عنه ولو بشكل جزئي.
في الواقع، لقد تم التشاور مع حركة حماس والحكومة الفلسطينية بخصوص مراحل عملية المفاوضات، وعليه جاءت خطوات الاتفاقية لتراعي وجهات نظرهم فيها، وأعتقد أن تقاسم هذه التفاصيل مع الرأي العام المحلي والخارجي يحمل أهمية كبيرة في هذا السياق.
المكاسب والتبعات الايجابية للاتفاقية
نحن نعيش اليوم في منطقة تعج بفوضى عارمة، وبطبيعة الحال، فإن هذه الاتفاقية تجلب فوائد لكلا الجانبين. ومع ذلك، فإن تطبيع العلاقات الثنائية، بات يشكل ضرورة استراتيجية بالنسبة للجانب الإسرائيلي أكثر مما عليه الحال بالنسبة للجانب التركي. وبعبارة أخرى، فإن تطبيع العلاقات لا يشكل دافعًا رئيسيًا بالنسبة لتركيا، ويمكننا توضيح هذه النقطة انطلاقًا من عدّة قضايا:
أولًا: إسرائيل تعيش مخاوف أمنية أكثر من تركيا جراء حالة انعدام الأمن المتزايدة في المنطقة.
ثانيًا: تشغل قضية نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا حيزًا حيويًا بالنسبة لإسرائيل.
ثالثًا: تلعب كل من تركيا، والمملكة العربية السعودية وقطر دورًا محوريًا وفعالًا في حل مشاكل المنطقة، لذا فإن تل أبيب لا تريد البقاء بمعزلٍ عن تلط التطورات. وبعبارة أخرى، فإن إسرائيل تريد البقاء على مقربة من حالة التآزر التي خلقتها الدول المذكورة.
رابعًا: إسرائيل، واستنادًا إلى القضية سابقة الذكر، تسعى لامتصاص حالة النقمة والغضب الموجودة ضدها في العالم العربي، ولا تريد أن تكون هدفًا محتملاً للجماعات المتطرفة.
إن التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، التي قال فيها: “الاضطرابات تعم الشرق الأوسط، وهدفي هو خلق واحة للاستقرار مع دول الجوار. إن الاتفاقية التي تم التوصل إليها مع تركيا، تمنع وقوع أي هجمات إرهابية ضدنا انطلاقًا من الأراضي التركية، وتفتح الطريق أمام نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا.”، تكشف عن حاجة الحكومة الإسرائيلية لمثل هذه الاتفاقية.
وإذا ما أردنا أن نقيّم الوضع من الجانب التركي، فنستطيع القول إن هذه الاتفاقية، عبرت عن نجاح دبلوماسي كبير، حيث دفعت إسرائيل نحو القبول بالشروط التركية، ومنحت تركيا فرصة التدخل في الوضع الإنساني، والمساعدة في حل مشكلة قطاع غزة، وتحقيق المصالح دون المساس بمبادئ تركيا، في عالم تبنى العلاقات بين الدول فيه استنادًا إلى المصالح، لذا فأعتقد أن الاتفاقية كانت خطوة في الاتجاه الصحيح وعبرت عن سياسة خارجية أكثر فعالية.
نفّذت إسرائيل طلبَ تركيا في مارس\ آذار 2013 وقدمت اعتذارًا في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخها، وبموجب الاتفاقية الأخيرة، قبلت إسرائيل بتطبيق الشرطين المتبقيين من الشروط التي وضعتها تركيا لتطبيع العلاقات، وهما دفع تعويضات لأسر الضحايا والسماح لتركيا بالتدخل في غزّة لدعم الوضع الإنساني. لا شك من أن الاتفاقية المبرمة تدعم دور تركيا من ناحية زيادة فعاليته وموقعه في القانون الدولي، سيما وأنه وبموجب القانون الدولي، فإن قبول أي بلد بدفع تعويضات يعني اعترافه بكامل الذنب.
إن تفعيل بند “التدخل من أجل دعم الوضع الإنساني في غزّة” من الاتفاقية، سيساهم في تمكين تركيا من إدخال المعدات ذات الأغراض المدنية، وإقامة المشاريع المتصلة بالبنى التحتية، وبناء المساكن لسكان القطاع، وبناء مستشفى الصداقة التركية – الفلسطينية بقدرة استيعابية مقدارها 200 سرير في غزّة، ما سيضمن لها جملة من المكتسبات الهامة.
بالطبع، لا نستطيع القول إن الاتفاقية وجدت حلًا لمسألة “رفع الحصار” بالصيغة التي كانت تريدها تركيا أو تسعى لفرضها، ذلك أن رفع الحصار المفروض على غزة من قبل إسرائيل بشكل كامل، يعني عودة إسرائيل إلى حدود عام 1948، وإعادة 26 % من الأراضي التي احتلتها إلى الفلسطينيين. ومع ذلك، إذا ما نظرنا إلى نص الاتفاقية المبرمة بصورة كلية، يمكننا وقتها القول إنها إنجازٌ دبلوماسيٌ مهمٌ للغاية، تم تحقيقه بفضل المواقف المبدئية والحازمة التي اتخذتها تركيا منذ 31 مايو\ أيار 2010.
وإلى جانب ذلك، تعرضت حكومة تل أبيب لانتقادات لاذعة من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي اعتبرت الاتفاقية على أنها جاءت تمامًا في صالح تركيا، حيث علقت صحيفة هآرتس: “إن الاتفاقية جاءت متأخر ست سنوات. إسرائيل كان بإمكانها التوقيع على نفس الاتفاقية في اليوم التالي من هجوم ماوي مرمرة. لم تعد تركيا الآن بحاجة إسرائيل كما كان من قبل. لقد كانت اتفاقية ضرورية للغاية”، فيما نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” مقالاً تحليليًا بقلم الكاتب “أرييل بن سلومون” قال فيه “تركيا وحماس هما من فاز بهذه الصفقة”. وفي هذا الإطار، يبقى تعليق موقع (Ynet) الإخباري واسع الانتشار في إسرائيل على الاتفاقية، من أكثر التعليقات المثيرة للاهتمام، حيث نشر الموقع في مقالة حملت عنوان “شروط التسليم” ما يلي: “إن توقيع الحكومة الإسرائيلية لتركيا على اتفاقية الاستسلام يعد محزنًا للغاية، إن الاعتذار من دولة والموافقة على دفع تعويضات لها يعني اعترافًا كاملًا بالذنب… إن علاقاتنا مع تركيا مهمة، ولكن الكرامة الوطنية أيضًا مهمة أيضًا، انظروا إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كيف يضع الكرامة الوطنية لبلاده على رأس أولوياته”.
عهد جديد في العلاقات الثنائية: الحذر المتبادل
لا شك من أن طبيعة ومسار العلاقات الثنائية ستحدد بناءً على السياسات التي ستنتهجها إسرائيل تجاه فلسطين، ما يعني أن الجانبين، التركي والإسرائيلي، متمسكين في هذه الأثناء، بأعلى درجات الحذر المتبادل. فتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لا يعني أن تغض تركيا النظر عن الظلم والانتهاكات التي سيتعرض لها الشعب الفلسطيني مستقبلًا، بل إن الاتفاقية أتت استجابة لضرورات السياسات الواقعية لكلا الجانبين، وظروف المرحلة، ومراعية لمصالح الشعب الفلسطيني، وسوف تستمر على هذا المنوال.
من الممكن أن تواجه تركيا العديد من الصعوبات والعقبات والمشاكل في حال ركّزت فقط على قضية “رفع الحصار”، لأنها ستكون وقتها في مواجهة حملات توجيه الرأي العام، التي ستشنها بعض وسائل الإعلام المعادية لها ولإيران، وسينتج عن ذلك نتائج سلبية، سيما أن المجتمع المحافظ الذي يشكل شريحة واسعة من القاعدة الشعبية في تركيا والدول العربية عمومًا، يتميز بالعاطفية وعدم منح القيادات المجال الكافي لإجراء مناورات سياسية، ويعيش ضعف في القدرة على التصرف بعقلانية وواقعية عندما يكون الموضوع متعلقًا بإسرائيل، وعليه فمن المهم جدًا أن تُظهِر أنقرة الأسباب العقلانية والمقنعة لهذه الشريحة المهمة.
إن المتابعين للأخبار المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات المتعلقة بها، يستطيعون رؤية الآثار السلبية للأخبار المُسوَّقة في هذا المجال، وملاحظة حجم التعليقات الناقدة ذات البعد العاطفي البعيد عن الواقعية والعقلانية.
وهنا، أود الإشارة إلى نقطة مهمة أخرى، إن تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، قد ينعكس على علاقات كل منهما مع بلدان المنطقة، حيث قال رئيس الوزراء التركي “بن علي يلدرم” في تصريح متلفز، بعد الرسالة التي أرسلها أردوغان إلى نظيره الروسي، “قد يكون لدينا اجتماع على المستوى الوزاري مع مصر. من الممكن أن نستقبل وزرائهم ومن الممكن أن يكون هنالك زيارات متبادلة على مستوى رجال الأعمال”، إن هذا التصريح يعطي إشارة مهمة في هذا الصدد.
وبالنتيجة، يمكننا القول إن الانفتاح على إسرائيل وروسيا، وكذلك من المحتمل أن يحدث الشيء نفسه قريبًا مع مصر، يمثل خطوة على الطريق الصحيح، تخدم المصالح التركية على الصعيد الاقتصادي والعسكري والجيوسياسي. وخصوصًا بعد أن أجبرت الدبلوماسية التركية إسرائيل، ذلك البلد الذي لا يعترف بالقانون الدولي ولا يلتزم به، على قبول شروطها في سابقة هي الأولى، وانتزعت منه اعتذارًا لم يقدمه لبلد آخر قط على مدى تاريخه، وباتت فيه تركيا لاعبًا مميزًا على الساحة الفلسطينية. إن الوضع الجديد، يحمل بين طياته القدرة على دفع بلدان المنطقة والجهات الفاعلة على مستوى العالم، نحو إدخال بعض التعديلات على سياساتهم تجاه المنطقة.
تركيا بوست