News

الموت الأكيد يهدد أهالي مدينة منبج المحاصرين

جمال قارصلي

جمال قارصلي

جمال قارصلي / نائب ألماني من أصل سوري
إن مأساة مدينة منبج مركّبة ومضاعفة وربما تتجاوز قساوتها قساوة ما تعاني منه مدينة داريا الآن في ريف دمشق, لأن مدينة داريا محاصرة فقط من الخارج, أما مدينة منبج فهي محاصرة من الداخل والخارج بآن واحد, حيث تقوم بما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بمحاصرتها من جميع الأطراف وكذلك تقوم بما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش) بقنص كل شيء يتحرك على أطراف المدينة وخاصة في ساعات الليل. سكان المدينة, والذين عددهم الآن يتجاوز المئتين ألف نسمة, أصبحوا يعيشون بين حجري الرحى ويدفعون ثمن تصادم القوى العالمية الذي يتم على أرضها وبرعاية دولية وبخطة مرسومة منذ زمن بعيد.
بعدما قامت “قوات سوريا الديمقراطية” بحصار مدينة منبج من كل الجهات, وتم إغلاق كل الطرق المؤدية إلى المدينة, وكذلك زرع الألغام حولها من قبل “الدولة الإسلامية”, أصبح أهلها بين فكي كماشة وأصبح الموت يتربص بهم من كل جانب, من السماء تقصفهم طائرات التحالف وعلى الأرض تتنظرهم مفاجأة الموت بسبب الألغام التي زرعتها داعش على أطراف المدينة وعلى كل طرقاتها ودروبها الصغيرة والكبيرة, وقناصة الطرفين المتصارعين تتصيد أهل المدينة كالعصافير, والجوع صار المساعد الأكبر لآفة الموت التي استفحلت في المدينة.
إن الكهرباء والماء قطعتهما “قوات سوريا الديمقراطية” عن المدينة وهي تمنع الآن حتى دخول المحروقات والمواد الغذائية. إضافة إلى ذلك فأن السلع الغذائية المتوفرة في السوق لا تسد رمق إلا جزء بسيط من سكان المدينة المحاصرين, فلهذا أصبحت المواد الغذائية تباع في أسواق المدينة وكأنها أحجار كريمة, وحتى كمية الماء المتوفرة لا تكفي إلا للشرب فقط وليس لأكثر من ذلك, أي يعني بأنه علينا أن لا نستغرب إذا سمعنا في القريب العاجل بأن أحدا ما من سكان مدينة منبج قد مات جوعا أو عطشا. في داخل المدينة يوجد بعض آبار المياه ولكن ولعدم توفر الوقود, مثل مادة المازوت, لا يمكن ضخ هذه المياه إلى خارج الآبار.
إن الأخبار الشحيحة التي تصلنا من داخل المدينة, أو عن طريق بعض الأشخاص الذين إستطاعوا أن ينجو بأنفسه ويغامروا بحياتهم ليخرجوا من طوق الحصار المضروب على المدينة, تُأكد لنا بأن أهل منبج يعيشون الآن كارثة إنسانية كبيرة ولا أحد يكترث بهم لا إغاثيا ولا حتى إعلاميا.
الجثث ملقية في الشوارع ولأيام طويلة ولا أحد يستطيع أن يدفنها, وروائح القتلى تملأ المدينة, والحدائق المنزلية وكذلك الحدائق الصغيرة العامة تحولت إلى مقابر جماعية.
إن ما يزيد المأساة مأساة هو بكاء الأطفال وبدون إنقطاع وذلك بسبب خوفهم من دوي الإنفجارات والغارات الجوية, وعدم إستطاعتهم النوم لا ليلا ولا نهار, والتبول في الفراش, والمعاناة النفسية التي يعيشونها, وخوفهم من الموت المحدق بهم من كل جانب وفي كل لحظة.
إن الذين يريدون الخروج من الحصار المضروب على المدينة يعرضون أنفسهم إلى خطر كبير, لأنهم يحتاجون لقطع مسافة لا تتجاوز العشرة كيلو مترات لأكثر من يومين من المشي أو الزحف ليلا والإختباء نهارا.
أهل المدينة أصبحوا يعيشون في زمن “ما قبل عصر الكهرباء” وأصبحت لياليهم يسيطر عليها الظلام الداكن ومنهم من لم يعد يتذكر ما هي الكهرباء وما هو شكلها, لأنها مقطوعة عنهم منذ مدة طويلة.
وحتى الإتصالات مع العالم الخارجي غير متوفرة وهي محظورة من قبل داعش, والويل لمن يحاول القيام بذلك, فعليه أن يحسب حسابه بعقوبات مادية وجسدية قاسية. وكذلك صحون الإستقبال لإرسال الفضائيات “الدش” تم منعها من طرف داعش ومنذ مدة طويلة.
إن عدد المفقودين من أهالي منبج يزداد كل يوم وخاصة الذين غادروا المدينة تحت جنح الظلام ولا أحد يعرف شيئا عن مصيرهم, ومن المتوقع بأنهم أصبحوا ضحية للألغام المزروعة في الكثير من الأماكن, أو لأهداف القناصة المتربصين في كل مكان.
مدينة منبج تعيش الآن كارثة إنسانية قل مثيلها, وحياة مئات الآلاف من سكانها الأصليين ومن الذين نزحوا إليها مهددة بالخطر, وما يلفت الأنظار بأن هنالك تعتيم إعلامي مطبق على ما يحصل في داخل هذه المدينة. إن لم تقم المنظمات الدولية والإنسانية والإعلامية بعمل شيء ما من أجل إنقاذ أهالي مدينة منبج المحاصرين, فإننا سنعيش كارثة إنسانية سيتكلم التاريخ عنها طويلا, وبعد ذلك لن ينفعنا لا اللطم ولا الندب ولا الندامة.

Leave a Comment