News

انقلاب تركيا وآثاره

جاهد طوز

جاهد طوز

لا تزال آثار انقلاب تركيا “الفاشل” واضحة في المشهد التركي داخلياً وخارجياً، لعلّ آخرها إعلان مجلس الوزراء التركي حالة الطوارئ في البلاد ، الأربعاء الماضي، ولمدة ثلاثة أشهر، من أجل حماية وتعزيز الديمقراطية، والقانون، والحريات، حسب تعبيره.

كما أن الحكومة التركية لا تزال تلاحق “فلول الانقلاب”، إذ أطلقت حملة اعتقالات كبيرة، طالت تلك الاعتقالات أشخاصاً يعملون في مرافق الدولة المختلفة، في الجيش، والقضاء، والتربية والتعليم.

ولم تواجه تركيا انقلاباً داخلياً فحسب، وإنما خرجت تصريحات من شخصيات سياسية عالمية، تحمل في ثناياها عداءً غير مباشر للحكومة التركية ورئيسها، لا سيما تلك التي نددت بتطبيق حكم “الإعدام” على الانقلابيين، رغم أن حكماً لم يصدر حتى الآن بحق قادة الانقلاب والضالعين فيه.

رافق الانقلاب أيضاً حملة إعلامية مناهضة للحكومة التركي، أطلقتها وسائل إعلام عربية وعالمية، سارعت بعضها إلى الإعلان عن نجاح الانقلاب، وسيطرة الجيش على الدولة التركية.

وللحديث عن الانقلاب وآثاره، كان لـ “أمية برس” حوار مع السيد جاهد طوز ، باحث ومحلل سياسي تركي.

مع الإعلان عن محاولة “الانقلاب الفاشلة” شهد الإعلام العربي والعالمي ضخ كبير للشائعات والمعلومات المغلوطة، هل تختصر لنا ما حصل ؟

في الحقيقة بث الشائعات ليس جديداً، في كل مشكلة أو أزمة تشهدها تركيا نجد العالم يبث شائعات ومعلومات مغلوطة حول الأخبار، وهذا له أسباب عدة، أهمها أن تركيا أصبحت مستهدفة بعد خطوات من النجاح في السياسة والاقتصاد، حتى أصبحت التجربة التركية مصدر إلهام للعالم العربية بل العالم، لذلك فإن البعض لا يريدون استمرار النموذج الناجح.

مع محاولة إسقاط الحكومة التركية وعلى رأسها الرئيس رجب طيب أردوغان، يقوم هؤلاء عبر إعلامهم ببث سموم لترويج أمر ما.

الانقلاب على الشرعية التركية لم ينفذه تنظيم داخلي، بل تنظيمات خارجية أو لها ارتباطات خارجية، في محاولة لمواجهة النجاح التركي ومنع الاستقرار والسلام، عبر منظمات إرهابية وانقلابات عسكرية.

من الجهات المتورطة داخلياً، والجهات المساندة لها خارجيا؟

قبل أن أتحدث عن الجهات المتورطة أودّ الإشارة إلى أن أي حزب أو تجمع في تركيا يؤسس كيانه مرتكزاً على جانبين: الجانب الديني والجانب القومين، وبعض هؤلاء يقدم الجانب القومي والآخر يقدم الجانب الديني.

وبالعودة إلى الجهة المتورطة داخلياً، فيوجد في تركيا كيان موازي، وهم جماعة فتح الله كولن، وهذه الجماعة أسست كيانها على أساس قومي، ولكن ليس قومية إيجابية، بل قومية سلبية أو قومية “طورانية”، وفتح الله كولن يتحدث عن هذا الموضوع في كتبه وخطاباته ويشير إلى هذه النقطة.

كما أن جماعة “كولن” تدّعي بأنها جماعة دعوية، ولكن أين الرابط بين الدعوة والانتشار في الدوائر الرسمية؟! إذ أنهم يحاولون الانتشار في كل المؤسسات والدوائر الرسمية، بعقلية أخطبوطية، وهذا دليل على أن لديهم ملفات سريّة وغير شرعية، وعملهم السري ليس جديداً بل يعود إلى أربعين سنة مضت، دخلوا خلالها إلى كل المؤسسات الرسمية من بينها الجيش، وهذا مؤشر على ضلوعهم في الانقلاب.

فتح الله كولن كان يهدف أن تصبح تركيا إيران ثانية، أي أن يعود من أمريكا إلى تركيا كما عاد الخميني من فرنسا إلى إيران عام 1979، ولكن مع كل ذلك لم تتمكن جماعة كولن من تحقيق أهدافها رغم الدعم من أطراف خارجية.

أما عن الدعم الخارجي فلا أستطيع ذكر أسماء دول، ولكن بعض الدول الغربية قالت بأنهم مع “الشرعية” ولكنهم في حقيقة ليسوا صادقين، إذ أنهم في عمليات الانقلابات السابقة وقفت الدول الغربية إلى جانب الانقلابيين، ولو نجحت المحاولة هذه المرة لصمتوا وما فعلوا شيئاً حيال ذلك، ودليل ذلك انقلاب “السيسي” في مصر عام 2013 و موقف الغرب الداعم للانقلاب لا للشرعية.

لماذا قامت الحكومة التركية بحملة اعتقالات كبيرة في قطاعات كثيرة من الدولة؟

أنت تتحدث عن محاولة انقلاب، أي خيانة على الدولة، وخيانة على إرادة الشعب، وتركيا كدولة ديمقراطية ودولة قانون لا بد أن تتخذ تدابير ضد الانقلابيين، لذلك بدأت بتطهير عناصر الجماعة الموازية، وعناصر الانقلاب من كل مؤسسات الدولة، لا بد أن أنوه أن هذه السياسة لا تقوم بها تركيا فحسب، بل إن أي دولة في العالم على رأسها أمريكا والغرب، سيتصرفون بذات الطريقة ضد الانقلابيين.

لا يوجد دولة في العالم تسكت على عملية إرهابية أو انقلابية، وتركيا من حقها القيام بالتدابير اللازمة، ولكن البعض يقومون بعملية تشويش حول هذه النقطة.

هنا أوجه سؤالي للعالم الغربي، لماذا سكت الغرب عن انقلاب “كنعان إفرن” في تركيا عام 1980، واعتقل أكثر من 120 ألف شخص في تركيا، وقتل وشنق العديد من الأتراك، ولماذا لم تقطعوا علاقتكم مع الانقلابيين آنذاك، ولم تعترضوا على عمليات القتل والإعدام، والآن ترفضون من الحكومة الشرعية إعدام المتورطين، وتصرحون بقطع العلاقات مع تركيا في حال فعلت ذلك!!

الحكومة التركية لن ترضخ في قراراتها للدول، بل ستأخذ بمطالب الشعب التركي، وستتخذ قراراتها بناء على القانون التركي، وستشارك كل مؤسسات القضاء لمعاقبة المتورطين بشكل عادل وقانوني.

ما الهدف من استمرار المظاهرات في الشوارع ؟

خطر الانقلاب لم ينته بعد، الضالعون بعملية الانقلاب لا بد وأن خططوا لعمليتهم منذ زمن طويل، لذلك لا نعلم إذا كان لديهم خطط أو خيارات أخرى بعد فشل العملية، والخشية أن تدعم أطراف خارجية لها علاقة بالانقلاب منظمات داخل تركيا لزعزعة استقرارها.

لذلك دعا الرئيس رجب طيب أردوغان الشعب التركي للنزول إلى الشوارع دفاعاً عن الديمقراطية والشرعية، وأعتقد أن الحراك الشعبي سيستمر عدة أيام حتى نتأكد من زوال الخطر.

تسابقت بعض وسائل الإعلام “الموجهة” إلى إعلان نجاح الانقلاب، فكيف تعاملتم مع تلك الوسائل؟

لأول مرة في تاريخ تركيا توحد الإعلام سواء كان موالياً للنظام التركي أو معارضاً له، وقفوا جميعاً إلى جانب الشرعية، والحكومة التركية المنتخبة، وهذا شيء إيجابي، ولكن توحد وسائل الإعلام التركية بأطيافها دفع بعض الباحثين والمحللين إلى استغراب هذا الشيء، لا سيما أن التلفزيون CNN التركي، يعد من الوسائل المعارضة، ولكن هو أول وسيلة إعلامية تحدث السيد أردوغان من خلالها عقب الانقلاب.

بينما توجد فئة قليلة وقفت إلى جانب الانقلابيين، بشكل غير مباشر، ولكن حتى الآن لم تنفذ الحكومة التركية أي تصرف ضدهم، إلا أنها ستتابع ملفاتهم وتأخذ تدابير حيال ذلك.

وجهت اتهامات إلى الرئيس أردوغان بأنه افتعل “الانقلاب للقضاء على معارضيه فما ردكم على ذلك؟

السيد أردوغان ليس بحاجة لتخطيط عملية انقلاب، فهو أول شخص منتخب من قبل الشعب التركي كرئيس للجمهورية التركية في تاريخ تركيا، ولديه شعبية كبيرة.

وأنوه في هذا الجانب أن من بين الذين قتلوا على يد الانقلابيين ثلاثة أشخاص مقربون من الحكومة التركية ومن السيد أردوغان شخصياً، أولهم مصمم إعلانات الرئيس أردوغان، ويعمل معه منذ أربعين سنة، وهذا الشخص قتل مع ابنه أثناء وقوفهما في وجه الانقلاب، الثاني أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، وهو رجل كبير في السن، قتل أيضاً أثناء وقوفه في وجه المحاولة الإرهابية، والثالث كبير مستشاري رجب طيب أردوغان، وهنا أتساءل كيف يقتل السيد أردوغان أصحابه وأصدقاءه ومستشاريه!!

كيف هي تركيا بعد المحاولة؟ وما هي الرسالة التركية للشعب التركي والعالم؟

نثمن موقف الشعب التركي بمختلف تياراته السياسية لوقوفه مع الرئيس ضد محاولة الانقلاب الفاشلة، وهذه نقطة تحسب لصالح الشعب التركي وهي دليل على وعي جماعي متطور في تركيا، إذ لم يسمحوا لمحاولة الانقلاب أن يمر، فالشعب في أي بلد هو مصدر السلطات وهو الحامي الحقيقي للأمن القومي.

ورسالتنا إلى العالم العربي والعالم هي أن الشعب التركي لا يريد أي تدخل غير قانوني وغير شرعي في تركيا، وعليهم أن ينظروا إلى الشوارع في تركيا، حيث دعمت كل فئات الشعب من يساريين وقوميين وليبراليين ومحافظين السيد أردوغان، وعلى دول العالم أن تحترم إرادة الشعوب.

ولا بد أن أشكر الشعب السوري الذي خرج إلى الشوارع مع الشعب التركي، للتعبير عن رفضه للمحاولة الانقلابية، وأدعو أحرار العالم، لا سيما الإعلاميين إلى تحري الدقة في نقل الأخبار، وأن يأخذوا على عاتقهم، نقل المعلومات الدقيقة حول أحداث تركيا.

أمية برس

Leave a Comment