News

التقارب الروسي – الإيراني

التقارب الروسي - الإيراني

التقارب الروسي – الإيراني

دميتري يفستافييف
ليس ظهور الطيارين الروس في قاعدة همدان الجوية الإيرانية مصادفة، ولا يرمي إلى تحرير حلب فحسب، إذ سبقته سلسلة من الأحداث ساهمت في بروز سياق جديد تماماً في الجزء الشرقي من منطقة الشرق الأوسط. وأبرز هذه الأحداث أو المحطات الأساسية هو اجتماع «ترويكا قزوين» في باكو في 8 آب (أغسطس) الجاري. فهذا الاجتماع دشن مستوى جديداً من التعاون الاقتصادي بين روسيا وإيران وأذربيجان، تلته في 9 آب زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى سان بطرسبرغ. وخففت الزيارة حدّة التوتر بين موسكو وأنقرة. والحلقة الأخيرة في السلسلة هذه هو الإطلاق السريع للتبادل الاقتصادي الروسي- الإيراني، تحديداً في مجالي النقل والطاقة. ففي وقت بدأ كلام روسيا وإيران يدور على القاعدة الجوية، كانت موسكو أرست قاعدةً سياسيةً متينة وأبرمت مجموعةً من الاتفاقات مع إيران في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. بالتالي تلك الخطوة العسكرية- السياسية المهمة ترتبت على الاتفاق السياسي. وهي تثبت أن موسكو وطهران تسعيان إلى التربع في مكانة اللاعب الحاسم، أو أصحاب الكلمة الفصل، ليس في الصراع السوري فحسب، بل في منطقة الشرق الأوسط برمتها.

انتكاسة واشنطن
ولا شك في أن التطور الأخير يترك الولايات المتحدة في عداد الخاسرين. وأثبت الاتفاق الروسي- الإيراني حول قاعدة همدان الجوية أن العلاقات الروسية – الأميركية لا تتصدر أولويات موسكو، أو على الأقل، لا تستحق التضحية بالإنجازات والمواقف التكتيكية. وعلاوةً على ذلك، فإنّ التطور الأخير يدل على أن «شهر العسل» في العلاقات الأميركية – الإيرانية انتهى. فطهران لا تثق بسياسات واشنطن، بما في ذلك قدرتها على التأثير في حلفاء عرب. وقد تضطر الولايات المتحدة إلى الإعداد لاحتمال فقدان «حقها في نقض» تطوير العلاقات السياسية والعسكرية الإيرانية مع روسيا وغيرها من الدول. وموافقة إيران على استضافة قوات روسيّة على أراضيها، إشارة إلى إدراكها وزن هذه الخطوة. فهي ترسخ مكانتها «قوة إقليمية راجحة»، وتساهم في حلّ للنزاع السوري كما تمليه شروطها وليس شروط الغرب.
وحري بأميركا لوم نفسها على عجزها عن إدراك «حدود المساومة» عند شركائها ومنافسيها. وإثر نشر روسيا طائراتها في قاعدة همدان، قررت الصين التي بقي دورها ثانوياً وهامشياً مدة طويلة، توسيع مساعداتها لحكومة الأسد في دمشق. وليس محور المسألة دعم النظام السوري أكثر مما هو رغبة الصين في المشاركة في المستقبل السياسي والاقتصادي السوري.

رسائل موسكو
ووجهت موسكو إشاراتٍ سياسيةً، أو رسائل عسكريةً – سياسيةً، من طريق البدء باستخدام الأراضي الإيرانية، وقد تفسر هذه الرسائل على الشكل التالي:
التفسير الأول مفاده أن موسكو تريد أن تُعلم واشنطن أنها تعتبر الشراكة الإيرانية- الروسية أولويةً استراتيجية، وأنها ستطورها حتى في المجالات التي ترى أميركا أنها، واستناداً إلى اتفاقات دولية سابقة حول إيران، «مناطق رمادية» (نزاعات لا ترقى إلى مستوى مواجهة تقليدية أو مواجهة بين دولتين. وتتوسل القوى الرجعية بهذه النزاعات لتقويض النظام العالمي). هذا لا يعني أن موسكو تخلت تماماً عن السياسة الاستراتيجية التي اقترحها مجلس الأمن من أجل كبح الطموحات السياسية – العسكرية الإيرانية. لكن مراجعة هذه السياسة والعودة عنها تجري على مرأى منا. ونجاح هذه الخطوات قد يؤدي إلى تقارب غير مسبوق بين طهران وموسكو.
والتفسير الثاني هو أن أوهام روسيا تبددت حول تمييز أميركا بين ما هو معارضة «معتدلة» وتلك «المتشددة» في سورية. ومن العسير إغفال تعاظم السخط الروسي مع بقاء موقف واشنطن على التباسه طوال أشهر. وربما تكون حسابات واشنطن في غير محلها. فهي بالغت في تقدير استعداد موسكو للتفاوض حول قائمة المنظمات الإرهابية. وهذا السوء في التقدير الأميركي، قد يقوّض موقف المجموعات التي تعتمد على المساعدة الأميركية في ميدان المعارك في سورية وفي محادثات السلام في المستقبل. وإذا أحرزت روسيا والأسد، بمساعدة إيران، تقدماً كبيراً في حلب، اقتضى تغيير نموذج التفاوض السابق: فعدد كبير من المنظمات المعارضة المعتدلة ستخسر نفوذاً يعتد به في سورية. أما التفسير الثالث، فمفاده أن روسيا تولي الأولوية لإطاحة المعارضة السورية في حلب، وأنها في سبيل ذلك مستعدة للتضحية بتعاونها مع أميركا والاتحاد الأوروبي في القضية السورية. ونشر الطائرات الروسية في همدان وتكثيف الضربات الجوية على المعارضة في حلب ليس محاولةً روسيةً لاستخدام ورقة جديدة في «اللعبة» مع الغرب فحسب. وربما وراء هذه الخطوة خيبة أمل روسية من إمكان فتح حوار مع إدارة البيت الأبيض الحالية والإعداد لتأجيله إلى حين تشكيل إدارة جديدة في واشنطن.

«راشا بيوند ذي هيدلاينز» الروسي

Leave a Comment