- كوريا الجنوبية تخصص 3 ملايين دولار لدعم جهود مكافحة تغير المناخ في آسيا الوسطى
- شينجيانغ تطلق خط شحن سككي جديد لدعم التجارة مع آسيا الوسطى
- طاجيكستان والكويت تسعيان لتعزيز التعاون الاقتصادي وتأسيس صندوق استثماري مشترك
- قرغيزستان تفتح أبوابها للسياح الصينيين دون تأشيرة: خطوة لتعزيز السياحة والتعاون الاقتصادي
- أذربيجان وقرغيزستان تعززان الشراكة الدفاعية بتوقيع خطة التعاون العسكري لعام 2025
- دعوات إلى إحلال السلام ووقف الحروب في قمة بريكس في روسيا
- العراق يعزز قدراته الكهربائية باتفاقية جديدة لاستيراد الغاز من تركمانستان
- التوجه التركي الجديد: إعادة تسمية “آسيا الوسطى” بـ”تركستان” وأبعاده الاستراتيجية
- أذربيجان تشارك كضيف في اجتماع وزراء الطاقة لدول آسيا الوسطى في طشقند
- زيادة قياسية في إنتاج حقل تنغيز النفطي بكازاخستان قد تؤثر على التزام البلاد بحصص “أوبك بلس”
- كازاخستان تصارع من أجل توافق إنتاجها مع قيود حصص أوبك +
- السعودية وطاجيكستان تبحثان سبل تعزيز التعاون المشترك
- في كازاخستان.. اجتماع قمة زعماء آسيا الوسطى يوافق على ثلاث وثائق نهائية
- اتفاق لتعزيز النقل عبر ممر “الشمال – الجنوب” بين إيران وروسيا وكازاخستان
- «شنغهاي للتعاون»… وعالم التعددية القطبية
سنوات روسيا العجاف لن تنتهي قريبا
سامر إلياس
تراجع الدخل وزيادة أعداد الفقراء ضبط التضخم وخنق الاقتصاد النفط والتخصيص ينقذان الموازنة الانتخابات الرئاسية والإصلاحات المؤجلة العوامل الخارجية ومستقبل الاقتصاد
كشفت نتائج الاقتصاد الروسي عام 2016 شدة ارتباطه بالمؤثرات الخارجية، وبخاصة أسعار النفط والعقوبات الغربية. وبالرغم من الأداء المرتفع لصناع السياسة النقدية والمالية والفريق الاقتصادي في الحكومة والكرملين، فإن النتائج النهائية للعام 2016 كانت مخيبة للآمال. وفندت المؤشرات الاقتصادية تأكيدات المسؤولين الروس منذ خريف 2015 أن روسيا تجاوزت المرحلة الأسوأ في أزمتها الاقتصادية التي بدأت عقب الأزمة الأوكرانية وضم القرم وفرض واشنطن وبروكسل عقوبات اقتصادية ومالية على موسكو، والتي تعمقت مع تراجع أسعار النفط في الأعوام الأخيرة.
ويكشف ارتفاع أعداد الفقراء في روسيا أن البلاد خسرت سبع سنوات من التنمية الاجتماعية. وتشير تجارب السنوات السابقة وتصريحات المسؤولين الروس إلى أن الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الروسي مشروع مؤجل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية عام 2018 والتي يتوقع أن تكون الأخيرة للرئيس فلاديمير بوتين.
تراجع الدخل وزيادة أعداد الفقراء
وللسنة الثالثة على التوالي تراجع دخل المواطنين الروس، ما أثر بشكل كبير على معدلات الاستهلاك في البلاد والتي انخفضت بدورها للعام الثاني، لتحرم الاقتصاد الروسي من أهم محرك للنمو وتتسبب في انكماش الناتج المحلي بنحو 0.6% وفق بيانات أولية.
وذكرت هيئة الإحصاء الروسية “روس ستات” أن الدخل الحقيقي للمواطنين تراجع في الأشهر الـ 11 الأولى من عام 2016 بنحو 5.6% مقارنة بالفترة نفسها من 2015. ووفق توقعات الحكومة فإن الدخل الحقيقي للمواطنين تراجع العام الماضي بأكمله بنحو 6%، علما بأن هذا المؤشر تراجع بنحو 4% و1% عامي 2015 و2014 على التوالي. ويعزى تراجع الدخل إلى هبوط النشاط الاقتصادي ومحاولات الحكومة ضغط المصروفات. وللمرة الأولى منذ صعود بوتين بداية الألفية الحالية، لم ترفع الحكومة المعاشات التقاعدية، واكتفى الرئيس بالتعهد بتقديم منحة لمرة واحدة فقط عام 2017 تقدر بنحو تسعين دولارا أميركيا.
وفي الوقت ذاته، تراجع الطلب الاستهلاكي العام الماضي قرابة 4.8%، بعدما انخفض عام 2015 بنحو 10%. وتأثرت قطاعات البناء والخدمات بشكل لافت بسبب هذا التراجع، كما هوت الاستثمارات في هذه القطاعات لعدم جدوى الاستثمار في قطاعات متراجعة مع ارتفاع سعر الفائدة الأساسي.
ووفق دراسات فإن نحو 40% من الروس يجدون صعوبة في تلبية احتياجاتهم من الملابس ويقتصدون في الأطعمة، وهي حالة لم تحدث في البلاد منذ منتصف سنوات التسعينيات الصعبة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وتنفيذ برامج التخصيص التي أفقرت شرائح كبيرة من المواطنين. وتدرج دراسة لمدرسة الاقتصاد العليا في موسكو أربعة من كل عشرة مواطنين ضمن شريحة الفقراء أو المعدمين، بينما تشير الإحصاءات الحكومية إلى أن هذا المعدل لا يتجاوز 12.8% أو 18.8 مليون مواطن وهي المعدلات ذاتها عام 2009.
ضبط التضخم وخنق الاقتصاد
وانخفضت معدلات التضخم في روسيا إلى أدنى مستوى في تاريخ البلاد ما بعد الحقبة السوفياتية. وطبقا لبيانات رسمية أولية لم يتجاوز التضخم 5.8% مقارنة بـ 12.9% و11.4% عامي 2015 و2014 على التوالي. ويعود التراجع الكبير إلى السياسة النقدية الصارمة المتبعة من المصرف المركزي الروسي، وتراجع الاستهلاك الداخلي.
وتركزت سياسة المركزي الروسي على خفض التضخم وضمان عدم ارتفاع هذه النسبة في السنوات الثلاث المقبلة. ولهذا لم يخفض سعر الفائدة الأساسي بأكثر من نقطة واحدة من 11% إلى 10%، ما يعني تفضيله ضبط التضخم على حساب النمو. وأعلنت محافظة المصرف المركزي إلفيرا نابيولينا أن سياستها ترمي إلى خفض التضخم إلى 4% العام المقبل، وتوفير البيئة المناسبة من أجل تكيف الاقتصاد مع نسب تضخم منخفضة.
وأقرت المسؤولة الروسية بأن تحقيق معدلات نمو مشابهة لتلك المسجلة العقد الماضي بات ضربا من الخيال، وتوقعت أن يتراوح نمو الاقتصاد العام الحالي بين 0.5% و1%، على أن يرتفع النمو في السنوات المقبلة إلى حدود 2%، لكن تراجع مشاركة القطاع الخاص إلى أقل من 30% من النشاط الاقتصادي، وعدم وجود استثمارات كافية قد يعمق أزمة الاقتصاد الروسي.
وساهمت نسبة الفائدة المرتفعة، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط، في دعم الروبل الروسي بقوة، إذ ارتفع بنحو 20% أمام الدولار، و26% مقابل اليورو.
ودخل رأس المال المضارب إلى سوق العملات والسوق المالية الروسية، ما دفع نابيولينا إلى التنبيه بأن المركزي قد يضطر إلى زيادة مشترياته من العملات الأجنبية والذهب وزيادة احتياطاته في حال استمر ارتفاع صرف الروبل. وبداية العام الحالي 2017، تراجع سعر صرف الدولار للمرة الأولى منذ أشهر طويلة إلى ما دون ستين روبلا.
ورغم تحسن الروبل العام الماضي فإن عوامل كثيرة قد تحد من قوته، ومنها تراجع أسعار النفط، أو رفع مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي سعر الفائدة، أو تشديد العقوبات الغربية على المصارف الروسية، وأخيرا إجراءات المركزي الروسي التي قد تفتح المجال أمام مضاربات السماسرة مع ثقتهم بأن ارتفاع الروبل الكبير لا يصب في مصلحة المصدرين وبخاصة كبريات شركات النفط والطاقة في روسيا، وقد يرفع العجز في الموازنة المقومة بالروبل بينما أهم مصادر الدخل بالعملات الأجنبية لقاء صادرات الطاقة.
ولكن السياسة النقدية القاسية، إضافة إلى حرمان المؤسسات المالية والمصارف الروسية من إمكانية الاقتراض من الخارج، تهدد النظام المصرفي في البلاد التي شهدت عددا من الأزمات المالية الخانقة نتيجة إفلاس بعض المصارف وتراجع سعر صرف الروبل. والعام الماضي، ألغى بنك روسيا تراخيص 93 مصرفا، وتجاوز عدد المؤسسات المالية المغلقة بقرار من البنك منذ عام 2014 قرابة ثلث المصارف والمؤسسات الإقراضية. وتحذر تقارير من أزمة مصرفية مقبلة قد تنفجر العام الحالي أو المقبل.
النفط والتخصيص ينقذان الموازنة
أنهت روسيا عام 2016 بعجز في الموازنة وصل إلى 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي. وأكد بوتين نهاية العام الماضي أن هذا العجز مقبول بخاصة أنه ترافق مع فائض في الميزان التجاري يقدر بنحو سبعين مليار دولار. وأقر الرئيس في مؤتمره الصحفي السنوي بتراجع موارد صندوق الاحتياط، لكنه أكد أن موارد صندوق الرفاه لم تنقص، وأن احتياطات العملات الأجنبية في المصرف المركزي ارتفعت إلى قرابة 385 مليار دولار. ولفت بوتين إلى تراجع وتيرة هجرة رأس المال عام 2016 إلى 17 مليار دولار من 57 مليارا عام 2015.
وساعد ارتفاع أسعار برميل برنت بأكثر من 50% العام الماضي في تخفيف عجز الموازنة المقرة بحساب أربعين دولارا للنفط. واستطاعت موسكو تغطية نفقات حملتها العسكرية في سوريا من دون زيادة كبيرة في العجز أو استخدام كامل موجودات صندوقيها السياديين.
وتبنت الحكومة قرارات بخفض النفقات العامة بنحو 3% حتى عام 2019. وبينما يساعد ضغط الإنفاق في خفض العجز فإنه يمكن أن يتسبب في تأخير تعافي الاقتصاد من الأزمة. وتتوقع الحكومة استمرار عجز في الموازنة بنحو 3% عام 2017 رغم تقليص النفقات. ولفتت وزارة المالية إلى أنها سوف تستخدم جميع موجودات صندوق الاحتياط (1.15 تريليون روبل) وقرابة 660 مليارا من صندوق الرفاه لتغطية العجز هذا العام. وواضح أن ارتفاع أسعار النفط منذ اجتماع الدوحة وصولا إلى اتفاق خفض الإنتاج بين أوبك وروسيا أسهم في دعم الموازنة والتخفيف من العجز. وتأمل روسيا أن تتراوح أسعار النفط بين 55 وستين دولارا للبرميل، ما يدرّ نحو 1.5 تريليون روبل (الدولار يساوي ستين روبلا). كما ساعد رفد تخصيص شركة “ألروسا” لإنتاج الألماس، و”باشنفت”، وقرابة 19.5% من شركة “روسنفت” في دعم الموازنة العام الماضي بنحو تريليوني روبل.
الانتخابات الرئاسية والإصلاحات المؤجلة
وبالنظر إلى التجارب السابقة، فإن السلطات الروسية سوف تلجأ إلى زيادة الإنفاق العام الحالي مستغلة ارتفاع أسعار النفط من أجل ضمان مشاركة واسعة في الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2018.
وتوقعت الحكومة الروسية عدم الانتقال إلى نمو كبير العام الحالي والسنوات الثلاث المقبلة، ولكن المؤكد أنها لن تذهب إلى تبني إصلاحات هيكلية تخفف من تبعية الاقتصاد لتصدير النفط والخامات، وضعفه في مواجهة العوامل الخارجية، ناهيك عن أن الحكومة لن تتبنى قرارات مؤلمة مثل خفض الدعم الاجتماعي وزيادة الضرائب أو رفع سن التقاعد قبل الانتخابات.
والأرجح أن يسعى الكرملين -إضافة لإطلاق بعض المشروعات الكبيرة وزيادة الدعم الاجتماعي لبعض الطبقات- إلى زيادة مدخرات المركزي كضامن للتخفيف من تبعات المؤثرات الخارجية على الاقتصاد. لكن هذه الإجراءات لن تسهم في تحقيق معدلات نمو تزيد عن نظيراتها العالمية، كما طالب بوتين في اجتماعاته الأخيرة مع الفريق الاقتصادي في الحكومة.
العوامل الخارجية ومستقبل الاقتصاد
ورغم نبرة التفاؤل الواضحة في تصريحات المسؤولين والمحللين الروس، فإن الأوضاع الاقتصادية تبقى رهنا لعدة عوامل خارجية أهمها العامل الجيوسياسي الدولي، والسياسة التي سوف ينتهجها الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترمب وموقفه من العقوبات المفروضة على روسيا منذ الأزمة الأوكرانية، ونتائج الانتخابات الرئاسية في فرنسا والبرلمانية في ألمانيا وتأثيرها على العقوبات الأوروبية، إضافة إلى أوضاع الاقتصاد الصيني والعالمي في ظل ارتفاع نبرة الحمائية عقب قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود ترمب.
كما لا يمكن التنبؤ بمدى التزام أعضاء أوبك والمنتجين من خارجها بالاتفاق الموقع آخر العام الماضي، وانعكاس ذلك على أسعار النفط وبالتالي على وضع الاقتصاد الروسي. ويمكن أن يخسر الروبل كثيرا، وكذلك سوق المال الروسية العام المقبل في حال استمر مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي في سياسة رفع الفائدة.
وعلى أهمية المؤثرات الخارجية فإن غياب الإرادة السياسية في الكرملين للقيام بإصلاحات جذرية في النظام الاقتصادي والسياسي وإبداء جدية في محاربة الفساد وتوسيع دور القطاع الخاص، فإن روسيا سوف تشهد أزمات اقتصادية دورية على شاكلة ما شهدناه في الربع قرن الأخير وربما تفقد جميع الفرص لبناء اقتصاد حديث باستغلال موارد النفط وشعبية بوتين الكبيرة، فالشعارات القومية لا يمكن أن تكون بديلا عن احتياجات الفقراء للمأكل والملبس والمسكن، كما أن العودة إلى نمو اقتصادي مستدام من دون التأثر الشديد بالعوامل الخارجية تحتاج إلى تبني نموذج اقتصادي جديد لا يعتمد على الخامات، ومن دون أوهام حول قدرة صادرات الأسلحة في إنقاذ الأوضاع الاقتصادية.
الجزيرة نت