News

نقل تبعية الاستخبارات للرئاسة يقلص حضور الجيش التركي في الدولة

الجيش التركي

الجيش التركي

كرم سعيد
إلى ما قبل عقد ونصف من الزمن، كانت مسألة تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية في تركيا تتصدر أولويات رجب طيب أردوغان، الذي أسس في العام 2002 حزباً سياسياً دينياً مختلفاً عن نموذج حزب نجم الدين أربكان، لكونه يرفع شعار الديموقراطية ويقترب من الغرب. وعبر هذا الشعار تمكَّن أردوغان من محاصرة الجيش وتقليم أظافر قادته عشية الانقلاب الفاشل في تموز (يوليو) 2016.
المؤسسة العسكرية في تركيا حظيت بوضع استثنائي وخاص منذ تأسيس الدولة التركية في 1923 على يد الجنرال مصطفى كمال أتاتورك الذي برز على مسرح الأحداث، مع تداعي الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسمى رجل أوروبا المريض. وتطور دور الجيش في الحياة السياسية، وسيطر على مقاليد الدولة التركية، وأصبح حامي العلمانية، وبرز ذلك في إطاحته عدداً واسعاً من الحكومات المنتخبة في الأعوام 1960 و1971 و1980 وأخيراً إطاحته حزب الرفاه ذا التوجه الإسلامي وزعيمه نجم الدين أربكان في العام 1997.
في إطار إعادة هيكلة الجيش وتنفيذ خطوات عملية لتطبيق النظام الرئاسي الذي تم إقراره في الاستفتاء على تعديل الدستور في 16 نيسان (أبريل) الماضي، تم نقل تبعية جهاز الاستخبارات التركي من رئاسة الوزراء إلى رئاسة الجمهورية بموجب مرسوم جديد من مراسيم حالة الطوارئ. هذا القرار يعتبر مسماراً جديداً في نعش الجيش التركي، إذ يحق للرئيس بموجبه ترؤس مجلس تنسيق الاستخبارات الوطني، والمصادقة على قرار التحقيق مع رئيس جهاز الاستخبارات أو رفضه، إضافة إلى أن المرسوم يعطي الجهاز نفسه مسؤولية إجراء الخدمات الاستخبارية المتعلقة بوزارة الدفاع وموظفي القوات المسلحة.
هذا القرار، لم يكن الإجراء الوحيد في محاصرة الجيش التركي، ففي العام 2013 وافق البرلمان على تغيير المادة 35 من قانون الخدمة الداخلية للقوات المسلحة التركية، والتي كانت تضفي شرعية على الانقلابات التي قام بها الجيش ضد الحكومات المنتخبة.
وكانت تلك المادة الواردة في قانون صدر عقب انقلاب 1960، تنص على أن وظيفة القوات المسلحة التركية هي حماية الوطن التركي ومبادئ الجمهورية التركية كما هي محددة في الدستور.
ووفق التعديل؛ جرى النص على أن مهمة القوات المسلحة تتمثّل في الدفاع عن الوطن والجمهورية التركية تجاه التهديدات والأخطار الخارجية، والسعي إلى الحفاظ على القوة العسكرية وتعزيزها، بحيث تشكل قوة رادعة للأعداء، والقيام بالمهمات الخارجية التي تسند إليها من البرلمان، والمساعدة في تأمين السلام العالمي. وعشية الانقلاب الفاشل في 16 تموز 2016، شهدت تركيا أكبر عملية إعادة هيكلة لجيشها، وبموجبها أصبحت قيادة الجيش خاضعة لوزير الدفاع وألغيت المدارس الحربية واستبدلت بكلية الدفاع الوطني، ولم يعد من حق رئيس الأركان وقادة القوات المسلحة إصدار الأوامر من دون العودة إلى وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة (رئيس الجمهورية).
كما نقلت تبعية قوات الدرك إلى وزارة الداخلية في نيسان الماضي، وهي القوات المنوطة بها مراقبة الحدود. وأنشئت قوات الدرك في عام 1846 وتضم حوالى 276 ألف عنصر. ولم يكن تهميش المؤسسة العسكرية وتقليص نفوذها ليقتصرا على ما سبق، فبموجب مرسوم حكومي في 25 آب (أغسطس) الماضي، تمت إقالة موظفين في وزارة الدفاع، كما جردت السلطات التركية عشرة قادة برتبة عميد من رتبهم. مظاهر تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية كشفها قرار وزارة الدفاع التركية في 22 شباط (فبراير) الماضي إلغاء الحظر المفروض على ارتداء الحجاب في صفوف المجندات وطالبات المدارس العسكرية خلال القيام بمهامهن الوظيفية. كما ألغت السلطات التركية في كانون الثاني (يناير) الماضي قانون حظر ارتداء الحجاب للنساء العاملات في قيادتي خفر السواحل والدرك التابعتين لوزارة الداخلية.
وفي السياق ذاته؛ سُمِح بدخول المحجبات من عائلات الجنود إلى نوادي القوات المسلحة؛ في علامة على التغيير الكبير الذي تشهده تركيا التي كان الحجاب فيها من المحرمات في المؤسسات العامة والجامعات فضلاً عن القوات المسلحة. ويعد قرار وزارة الدفاع بإلغاء الحظر على الحجاب خطوة أولى من نوعها منذ إعلان الجمهورية التركية في العام 1923.
ويلاحظ أنه في اليوم التالي لإعلان نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، قام أردوغان بزيارات لافتة إلى أضرحة ثلاثة من زعماء تركيا السابقين، من مؤسسي الحركة الإسلامية والمنتمين إليها في شكل مباشر أو غير مباشر، وهم الرئيس الثامن للجمهورية تورغوت أوزال، ورئيس الوزراء الراحل عدنان مندريس، ورئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، إلى جانب ضريحي أبي أيوب الأنصاري والسلطان محمد الفاتح، سابع سلاطين الدولة العثمانية وفاتح القسطنطينية، والسلطان ياووز سليم.
والأرجح أن زيارة أردوغان قبر السلطان محمد الفاتح، مثَّلت انقلاباً على أتاتورك والنظام العلماني وعلى هيمنة المؤسسة العسكرية، والأهم أنها انقلاب على السياسة الخارجية التركية. فالصلاة في ضريح محمد الفاتح فسرها خبراء أوروبيون بأنها إشارة إلى استعداد النظام الجديد في تركيا لإعادة الاعتبار إلى الإمبراطورية العثمانية وسحب بعض الاعتبار من النظام الجمهوري الذي أسسه أتاتورك. فالأتاتوركية كانت تعني نهاية المغامرات التوسعية الإمبراطورية، وتمجيد ذكرى محمد الفاتح يعني العودة إلى تلك المغامرات.
في هذا السياق، يلاحظ إصرار لدى نخب الحكم في تركيا على وأد أدوار المؤسسة العسكرية التي طالما تصاعد الجدل بينها وبين نظام الحكم إزاء عدد من القضايا المركزية. فمثلاً؛ ظلت إدارة الأزمة الكردية محل خلاف، كما كانت الأزمة السورية كاشفة عن حجم الهوة بين الجيش والرئيس، فبينما رأى الجنرالات التزام الحياد بجوار تأمين الحدود، اندفع أردوغان نحو الانخراط سياسياً وعسكرياً في المستنقع السوري. القصد؛ أن التدابير القانونية والدستورية والسياسية التي مررتها حكومات حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة في العام 2002 وحتى قرار إلحاق جهاز الاستخبارات بمؤسسة الرئاسة، ساهمت بصورة كبيرة في تراجع وزن المؤسسة العسكرية في تركيا، لكنها ما زالت تحظى بصورة ذهنية جيدة في الوعي الجمعي عند الأتراك.

نقلا عن الحياة

Leave a Comment