News

روسيا لا تريد ارتفاع سعر النفط

الروبل

كريس ويفير
تعدّ روسيا أكبر مصدر للنفط في العالم (الخام والمنتجات النفطية مجتمعة) وتكسب حوالى 5 بلايين دولار إضافية شهرياً منذ ارتفاع سعر البرميل إلى 65 دولاراً. وكانت الموازنة الاتحادية حددت سعره بــ45 دولاراً. لكن لماذا لا تنظر الحكومة الروسية بعين الرضى إلى ارتفاع سعر البرميل من 50 دولاراً أوائل تشرين الأول (أكتوبر) إلى حوالى 64 دولاراً، إثر تعاظم التوتر في الشرق الأوسط؟ ولماذا قد ترفض موسكو تمديد صفقة تحديد مستويات الإنتاج مع «أوبك»، في محاولة لإعادة الأسعار إلى ما دون 60 دولاراً؟ للوهلة الأولى، يبدو أن الموقف هذا غير منطقي. لكن، عندما ينظر إليه في سياق اتجاهات السوق العالمية للنفط والطاقة المتجددة، لا سيما حين يحتسب أثر الأولويات المالية والصناعية المتغيرة في روسيا، يصبح موقف موسكو منطقياً.
وكان وزير النفط الروسي، ألكسندر نوفاك، أشار في أوائل تشرين الأول (أكتوبر) إلى أنّه يؤيد تمديد صفقة الإنتاج بين «أوبك» وروسيا إلى أواخر 2018 (والتي ينتهي مفعولها في آذار/ مارس المقبل). فهذه الصفقة بعثت ببطء التوازن بين العرض والطلب. غير أن هذه التصريحات صدرت عندما كان سعر برنت يتراوح بين 50 و55 دولاراً، وهذا السعر يناسب مصالح روسيا العليا. وإذا عاد سعر النفط إلى 55 دولاراً عند انتهاء الصفقة الحالية، يرجح أن تدعم موسكو التمديد من جديد. لكن إذا ظلت أسعاره مرتفعة وتتراوح بين 60 و65 دولاراً، أو إذا فاقت هذا المعدل، يستبعد دعم تمديد الصفقة هذه. ووراء هذا الموقف غير البديهي دواع، منها:
– يُخشى أن يفاقم ارتفاع أسعار النفط مخاطر هبوط جديد في أسعاره عام 2018. فارتفاع سعر النفط يزيد احتمالات رفع مستوى الاستثمارات في النفط الصخري في أميركا ومشاريع «ساندز» الكندية. ومثل هذه الاستثمارات هذه، كما ثبت في 2014، هي مصدر خطر. فهي تضخ زيادة كبيرة في المخزون العالمي.
وأبرز أسباب ثبات أسعار النفط على مستوى 55 دولاراً في الربع الثالث هو تعثر الإنتاج الأميركي بسبب الفيضانات والعواصف في ولايات مثل تكساس. ويُستأنف هذا الإنتاج اليوم، وقد يرتفع معدل نمو الإنتاج النفطي هذا إذا قُيّض لمشاريع استخراجه إحراز ربح تجاري كبير مع ارتفاع أسعار النفط إلى عتبة 60 دولاراً أو أكثر. وأشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أنّ إجمالي إنتاج النفط الأميركي انخفض إلى نحو 12.9 مليون برميل يومياً في الفصل الثالث من هذا العام. ويتوقع أن يصل الإنتاج إلى 14.1 مليون يومياً في العامين القادمين، أي بزيادة 1.2 مليون برميل يومياً. وقالت الوكالة إنّه مع بقاء أسعار النفط على مستوى 65 دولاراً، ترفع توقعاتها لعامي 2018 و2019 إلى أعلى.
وواجهت موسكو العواقب الاقتصادية والاجتماعية لانهيار أسعار النفط مرتين في العقد الأخير، بين 2008 إلى 2009 ومنذ 2014 إلى اليوم. وفيما كانت المرحلة الأولى قصيرة نسبياً، تزامنت المرحلة الثانية مع عقوبات غربية وحرب اقتصادية. ويرجح أن يفوق الضرر الناجم عن انهيار ثالث في أسعار النفط مجمل المكاسب المالية التي تحققت أثناء الارتفاع الحالي للأسعار.
– ينفخ ارتفاع سعر النفط في استثمارات الطاقة البديلة وتمويل مشاريع مثل الطاقة المتجددة، وفي تطوير المحركات الكهربائية والبطاريات الأكثر خدمة والأقل تكلفة. وكان ذلك جلياً بين 2010 و2013. وتباطأ زخم الاستثمارات هذه منذ تراجع سعر النفط في ختام 2014 وفي 2015. ويحافظ استقرار سعر برميل النفط على مستوى 55 دولاراً على التوازن بين النفط والطاقة المتجددة لمدة أطول مما هي عليه الحال مع أسعار النفط العالية.
– شاغل روسيا اليوم هو زيادة التنوع في اقتصادها. فهي رأت أن نموذج النمو القائم على النفط فحسب- وهو أدى إلى طفرة ضاعفت الناتج الروسي من 199 بليون دولار عام 1999 إلى نحو 2.25 تريليون دولار عام 2013- صار أقل فعالية بعد عام 2013. وبدأ الاقتصاد الروسي بتجاوز النفط وريعه. وفي 2013، بلغت نسبة نمو الناتج المحلي في روسيا 1.3 في المئة فحسب، أي ثلث نسبة النمو قبل عامين، على رغم أن سعر النفط بلغ نحو 110 دولارات في ذاك العام.
وتحتاج روسيا اليوم إلى تنويع الاقتصاد أكثر فأكثر وتعزيز الكفاءة الاقتصادية والصناعية. وقد يقوّض «الكسل» و «الرضا الذاتي» الذي يصحب ارتفاع عائدات النفط هذا التوجه ويبطئ الزخم الإيجابي الحالي.
– مثل هذه الصفقة يفاقم صعوبة الحؤول دون ارتفاع سعر الروبل. واليوم، ارتفاع أسعار النفط لم يساهم في رفع سعر الروبل، على رغم أن العلاقة وثيقة بين الروبل والنفط تاريخياً– ويبدو أن هذه العلاقة بُترت اليوم. وفي الماضي، ساهم ارتفاع سعر النفط في تقوية سعر صرف الروبل، لكن في الأشهر الثلاثة الأخيرة، ارتفع سعر خام برنت من 56.5 دولار إلى 64 دولاراً، لكن سعر الروبل مقابل الدولار لم ينخفض بل ارتفع من 57.5 إلى أكثر من 60. ولم يخف المسؤولون الحكوميون والكرملين أن أثر الروبل الضعيف أكثر ايجابية في الاقتصاد من الروبل القوي. ويعزز الروبل الضعيف القدرة التنافسية ويساعد الصناعات الموجهة نحو التصدير، ويضعف الطلب على السلع المستوردة.
– بادرت موسكو إلى خطوات للحد من الاعتماد على النفط. ويعود ذلك إلى خلاصة بدأت تظهر في 2013 مفادها أن النفط لم يعد محركاً قوياً للنمو، وإلى القيود التي فرضت على روسيا بسبب عقوبات عام 2014.

موسكو تايمز

Leave a Comment