News

قبضة روسيا في آسيا الوسطى تضعف في ظلّ التمدد الصيني

قبضة روسيا في آسيا الوسطى تضعف في ظلّ التمدد الصيني

شاهر الحاج جاسم
منذ حصول دول آسيا الوسطى الخمس (كازاخستان، أوزبكستان، طاجيكستان، تركمانستان، قيرغيزستان) على استقلالها مع انهيار الاتحاد السوفياتي، سعت موسكو بكل قوة إلى الحفاظ على نفوذها في هذه المنطقة، باعتبارها جزءاً من هويتها، ولحماية حدودها الخلفية، التي تعتبر خاصرتها الرخوة.
حاولت موسكو في الفترة السابقة استغلال حالة الانقسام والنزاعات الإقليمية التي تعيشها دول آسيا الوسطى لفرض نفوذها السياسي، وتصبح صاحبة الكلمة الأقوى هناك، لكن مع مرور الوقت استطاعت هذه الدول تجاوز الخلافات القائمة بينها الى حد ما، وبدأت تتجه نحو استقلال قرارها السياسي بشكل أكثر فعالية وجدية بالتزامن مع تراجع القبضة الروسية.
طوال العقدين الأخيرين، حاول الكرملين جاهداً المبادرة في تقديم التمويل اللازم للبنية التحتية لهذه البلدان، بالإضافة الى دعم المشاريع المتعلقة بالمجالات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والقروض الميسرة بغية ربطها بموسكو، والسيطرة عليها اقتصادياً الى جانب السيطرة السياسية.
لكن استمرار انخفاض أسعار النفط، وتشديد العقوبات الغربية التي أثقلت كاهل الاقتصاد الروسي، والتكاليف الباهظة لتغطية نفقات القوات العسكرية في أوكرانيا وسورية، شكلت عجزاً في الميزانية، وجعلت موسكو غير قادرة على الوفاء ببعض التزاماتها تجاه هذه الدول، وهو ما اعتبره الكثير من القوى فرصة سانحة للتغلغل، وإيجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة المهمة استراتيجياً. وهكذا اندفع التنين الصيني محاولاً استغلال انشغال الدب الروسي باستعادة مواقعه في الجمهوريات السوفياتية السابقة، وحماية مكتسباته التي تتاكل رويداً رويداً أمام نفوذ الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من الأوروبيين كما حصل في ليبيا والعراق وأخيرا الصراع على النفوذ في سورية.
يرى البعض أن هناك حاجة روسية إلى بكين في مواجهة النفوذ الأميركي في المنطقة، وعلى وجه الخصوص بعد حرب أفغانستان، وصرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن العلاقات الروسية الصينية في العام 2012، قائلاً: «أنا مقتنع بأن نمو الاقتصاد الصيني لا يشكل تهديداً، بل هو تحد يحمل في طياته قدرات هائلة للتعاون في المجال التجاري وفرصة للقبض على الريح الصينية في أشرعة اقتصادنا». وأضاف «أن روسيا تحتاج الى الصين المزدهرة والمستقرة، وبدورها تحتاج الصين الى روسيا قوية وناجحة».
الجدير بالذكر، أن التعاون الروسي الصيني ازداد بوتيرة مرتفعة، لا سيما بعد التحديات الغربية وفرض عقوبات قاسية على موسكو، شلت حركة الاقتصاد الروسي، وهو ما جعلها تغض الطرف عن زحف النفوذ الصيني اتجاه الفناء الخلفي لها.
اللافت مؤخراً حجم التبادل التجاري المتزايد للصين مع بلدان آسيا الوسطى، فعلى سبيل المثل بلغت الاستثمارات الصينية في طاجيكستان ما يقارب 50 في المئة مقارنة بالاستثمارات الروسية التي بلغت 30 في المئة في عام 2016.
كما أصبحت الصين حالياً المشتري الرئيسي للغاز الطبيعي من تركمانستان وأوزبكستان، وطالما اعتادت روسيا خلال السنوات الماضية أن تستورد الغاز بشكل رئيسي من هذين البلدين.
واتبعت القيادة الصينية طرقاً مختلفة في التعامل مع حكام هذه الدول، تارة بتقديم المساعدات الضخمة، وتارة بعقد الاتفاقيات الاقتصادية التي تصب في تنشيط التجارة الداخلية للبلدان، وزيادة رؤوس الأموال للاستثمار، من دون التطرق إلى سياستهم الداخلية أو الخارجية، كما لم تفرض عليهم أية ضغوط بشأن التحالفات الدولية.
وهو ما دفع حكام آسيا الوسطى إلى تفضيل التعامل مع الصين، على الحليف الروسي أو الأميركي، اللذين يضغطان باستمرار لاتخاد سياسيات وتحالفات معينة تصب في مصالحهما، متجاهلين في الوقت ذاته مصالح هذه البلدان.
وبرر بوتين قلق النخبة الروسية تجاه تعاظم النفوذ الصيني، في رده على أسئلة الصحافيين، عقب منتدى «حزام واحد – طريق واحد» العام الماضي، قائلاً: «روسيا والصين تقرران بشكل مشترك، لا نقبل المقترحات الضارة لنا. نحن نقبل فقط الشروط التي هي جيدة بالنسبة لنا».
يرى بعض الخبراء ان تنامي النفوذ الصيني في الجوار الروسي القريب، غير مقلق لموسكو على المدى القريب، بل هو مصلحة روسية طالما اقتصر على الاستثمار والتعاون التجاري، لكن سوف يصبح أشد خطراً على المدى البعيد، لا سيما إذا قررت بكين حماية مصالحها الاقتصادية عبر الوسائل العسكرية أو إقامة قواعد عسكرية لتأمينها، وهو ما قد يعرض الوجود الروسي في المنطقة للتهديد.
من المؤكد أن الساسة الروس يدركون جيداً أن سياستهم القديمة لم تعد تجدي نفعاً مع تعاظم نفوذ القوى الأخرى في المنطقة، الحلفاء قبل الأعداء، وأصبحوا مضطرين بشكل عاجل لمراجعة شاملة لخططهم تجاه دول هذه المنطقة تحديداً.

نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية

Leave a Comment