News

كازاخستان… نحو تغيير هادىء

الانتخابات الكازاخستانية

شاهر الحاج جاسم
على رغم انشغال العالم بالأحداث الجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وما تشهده من تهديدات كلامية متبادلة، تُضاف إليها الحرب الاقتصادية التي يزداد سعارها بين واشنطن وبكين، ثمة أحداث سياسية هامة يشهدها قلب آسيا الوسطى وجمهورية كازاخستان تحديداً، تلك الجمهورية الفتية والغنية بالثروات، ذات الأهمية الإقليمية والدولية لكل الأطراف المتصارعة حالياً.
على أثر الاستقالة المفاجئة للرئيس الكازاخستاني السابق نور سلطان نزارباييف، في نهاية آذار (مارس) الماضي، دعا الرئيس الكازاخستاني الموقت، قاسم جومارت توكاييف في الثاني من نيسان (أبريل) إلى انتخابات رئاسية مبكرة حدد موعدها في التاسع من حزيران (يونيو) المقبل.
وصف توكاييف الوضع الحالي بأنه تاريخي بالنسبة إلى كازاخستان، قائلاً: “لقد تم نقل السلطة العليا في كازاخستان في أجواء هادئة في امتثال تام للدستور، وهذا جعلها محط احترام المجتمع الدولي”. وأشار إلى أن “البلاد تسير على الطريق الصحيح”.
الجدير بالذكر أن الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف، أول رئيس لكازاخستان بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أطل في وقت سابق بخطاب تلفزيوني مباشر، ليعلن مغادرته سدة الرئاسة بعد قرابة 30 عاما أمضاها في الحكم، إذ تم اختيار نازارباييف في عام 1989، سكرتيراً أول للجنة المركزية لـ “الحزب الشيوعي الكازاخستاني”، أيام الاتحاد السوفياتي السابق، ليصبح رئيساً لبلاده في عام 1990.
توقع الكثير من المراقبين استمرار نازارباييف في الحكم، كما فعل رؤساء الدول المجاورة لكازاخستان، لاسيما بعد ثلاث عقود أمضاها في منصب الرئاسة، إلا أنه استطاع تنفيذ إصلاحات خطرة تهدف إلى إعادة توزيع السلطات بين الرئيس والحكومة والبرلمان. وبدأ بنفسه عملية تدريجية لنقل السلطة، بأكثر الطرق الممكنة سلاسة، من خلال إجراء الانتخابات الرئاسية.
يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة سبعة مرشحين من مختلف الأحزاب السياسية والجمعيات العامة، وهم: قاسم جومارت توكاييف، أميرزان كوسانوف، أمانغلدي تاسبيوف، تولوتاي رحيمبيكوف، دانيا إسباييفا (المرأة الوحيدة في سباق الانتخابات)، زامبيل أحمدبيكوف وسعدي بيك توغل. وسيكون توكاييف، المرشح الرئيس الذي يمثل الحزب الحاكم “نور وطن”. وهو اشتهر منذ فترة طويلة، بفضل شغله منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة بين العامين 2011 و 2013، إضافة إلى كونه أستاذاً في العلوم السياسية، كما شغل منصب وزير خارجية بلاده، وكان لفترة طويلة رئيساً للحكومة، ورأس في السنوات الأخيرة مجلس الشيوخ في البرلمان.
برزت كازاخستان بشكل خاص ولافت من ضمن دول آسيا الوسطى، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ اختارت آستانا (العاصمة “نور سلطان”) سياسة متعددة العوامل، تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي والعرقي. ونتيجة لذلك، احتلت تلك الجمهورية التي تنبأ لها السياسيون والخبراء بالتفكك والانحلال، المركز الـ 38 في تصنيف التنافسية العالمية في عام 2018. وعلى عكس العديد من الدول الأخرى التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي السابق عموماً ودول آسيا الوسطى خصوصاً، نجحت كازاخستان في تجنب الحروب الأهلية والثورات الملونة.
يعتقد المراقبون أن التوجه الأميركي القادم، سيكون نحو الجمهوريات السوفياتية السابقة عموماً، وعلى وجه الخصوص نحو منطقة آسيا الوسطى، ذات الأهمية السياسية والاقتصادية للقوتين الإقليميتين الرئيستين هناك: روسيا والصين، كما أن التهديدات المتصاعدة ضد إيران، تزيد أكثر من أهمية هذه المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة. وناهيك عن الإمكانات الاقتصادية الهائلة وعلى رأسها قطاع الطاقة والفرص الأخرى المتاحة، فإن المنطقة ستكون محل اهتمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لاسيما في ظل الخبرة التجارية الكبيرة التي يمتلكها الرجل في هذه المجال ومنذ ما قبل تسلمه منصب الرئاسة.
لطالما نظرت الولايات المتحدة إلى آسيا الوسطى خلال السنوات الماضية، كشريك استراتيجي مهم في محاربة الإرهاب والقضايا الأمنية، وهو ما يرشحها لتكون المحطة القادمة للتنافس والمساومة على المصالح والنفوذ بين القوى الدولية، وهو ما يجعل كازاخستان تحت المجهر بشكل مستمر، بحيث تتم مراقبة المتغيرات الجارية هناك من قبل الأطراف الإقليمية والدولية.
إضافة إلى ما تقدم، تولي الصين أهمية بالغة لهذه المنطقة وبالتحديد لكازاخستان، باعتبار أن بكين ترى في آسيا الوسطى منفذاً اقتصادياً لها، وممراً لـ “طريق الحرير” التي تسعى بكين جاهدة إلى إحيائه، عبر مشروعها المتمثل في مبادرة “الحزام والطريق” (حزام واحد، طريق واحد) التي تربطها بدول أخرى، إضافة إلى مصادر الطاقة من النفط والغاز، التي تحصل عليها الصين بأسعار رخيصة وتفضيلية بموجب اتفاقات بينها وبين هذه البلدان.
وعلى رغم انتقاد البعض لطريقة طرح الانتخابات المستعجلة، والتي لم تعط الوقت الكافي للمرشحين لتحضير حملاتهم الإعلامية، إلا أن التغيير قادم لامحالة إلى كازاخستان، بعقلية جديدة وتفكير مختلف، ذلك أن التغيير البسيط، رويداً رويداً، خير بالنسبة إلى أغلب المواطنين، من تغيير سريع يجلب الفوضى والدمار، ولا تعرف نهايته ولا تحمد عقباه.

نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية

Leave a Comment