News

الصين تعيد ترتيب الأوراق في آسيا الوسطى

الصين تعيد ترتيب الأوراق في آسيا الوسطى

الصين تعيد ترتيب الأوراق في آسيا الوسطى

شاهر الحاج جاسم

في خضم الصدام السياسي والاقتصادي بين روسيا والغرب، والعقوبات المتبادلة بين الطرفين، زحفت الصين بكل قوة إلى مناطق النفوذ التقليدية لموسكو، وسط انشغال الكرملين في العديد من الملفات الداخلية والخارجية، وعلى رأسها الملف الاقتصادي، بالإضافة إلى الصراع في أوكرانيا وسوريا ومؤخراً القوقاز.
خلال السنوات الماضية، تمكنت الصين من إقناع روسيا والعديد من الدول الأخرى، وعلى وجه الخصوص دول آسيا الوسطى، أن هدفها يكمن في العامل الاقتصادي ومساعدة البلدان في التنمية والانتعاش التجاري، لتحقيق الرخاء والرفاهية لشعوب المنطقة.

دور لنفوذ سياسي

قوة الصين المتعاظمة في كافة المجالات، جعلتها تفرض نفسها كشريك تجاري استراتيجي لدول آسيا الوسطى، متقدمة في ذلك وللمرة الأولى على روسيا التي طالما كانت مهيمنة في هذه المنطقة لعشرات السنين، بالتزامن مع فقدان موسكو المستمر لنفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي، ومع مرور الوقت سوف يجد القيصر الروسي أن البساط سحب من تحت أقدامه في حدائقه الخلفية، لاسيما مواصلة المنافسين الإقليمين والدوليين لروسيا وعلى رأسهم الصين، في جذب الحكام وشعوبهم، وأبعادهم عن المظلة الروسية.
بالرغم من ذلك، لم تكتف الصين بالهيمنة في المجال الاقتصادي في المنطقة، بل أصبحت تبحث عن دور لنفوذ سياسي كبير، إلى جانب السعي لتكون دول المنطقة في الفلك الصيني عبر مشاريعها، وورقة الديون التي بدأت تهدد بها زعماء آسيا الوسطى، معلنة بذلك أنها ستكون صاحبة الكلمة الأقوى في هذه المنطقة.
و يتجلى خير مثال على النفوذ الصيني في دول آسيا الوسطى في السيطرة الكاملة على طاجيكستان سياسيا وتجاريا، حيث تعتبر الصين هي الدائن الرئيسي للاقتصاد الطاجيكي، ووفقا للتقارير والأرقام الرسمية في هذا المجال، فإن دوشانبيه مدينة لبكين بأكثر من 1,2 مليار دولار، في حين بلغ الدين الخارجي، وفقا للحكومة الطاجيكية، اعتبارا من أول أكتوبر/ تشرين الأول2020، حوالي 3,2 مليار دولار، أي حوالي 40 في المئة من الدين الخارجي من نصيب الصين.
ويرى الخبراء، أن سنوات العسل مع الصين قد شارفت على الانتهاء، ولاسيما أن بكين أصبحت تريد حصاد محاصيل الاستثمارات والقروض من دول آسيا الوسطى، وفي ظل عجز هذه الدول عن سداد الديون والقروض المقدمة من بكين قبل سنوات، وعدم التسـاهل والتمـسك الصـيني مؤخـرا بالرفض لأي تأخير في مواعيد السـداد، خلـقت مشـاكل جمة لحكـومات المنـطقـة.
وأمام عجز طاجيكستان عن سداد ديونها، أجبرت دوشانبيه على التنازل عن جزء من أراضيها للجار الصيني، ضمن تفاهمات سميت ترسيم الحدود بين البلدين، كما اضطرت لترك تطوير حقول الثروات الباطنية في البـلاد لصـالح الشـركات الصـينية.

أزمات تجارية

ولم يكن الوضع في قرغيزستان بأفضل حال، حيث تواجه الحكومة الجديدة، معضلة سداد الديون المستحقة، وفي ظل أزمات سياسية وتجارية وصحية متصاعدة في هذا البلد الفقير، الذي يحاول الاستنجاد بالحليف الروسي تزداد الأمور سوءا.
ولطالما اعتاد الساسة في آسيا الوسطى على الحوافز والاعفاءات والقروض الميسرة من قبل الصين، وهو ما قد يكون عاملا مهما من عوامل عدم إدراكهم للخطر الآتي، وسياسة دفعهم للدخول في مصيدة الديون، ناهيك عن الفساد المتفشي في مفاصل أجهزة الدولة، وأزمة كورونا التي زادت الأمور سوءا وتعقيدا.
التقارب مع الصين على حساب التعاون مع روسيا أو الغرب، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة، جعل خيارات بعض دول المنطقة محدودة، ومضطرة في الوقت ذاته للتماشي مع الرؤية الصينية، للحفاظ على الامتيازات الممنوحة لها، حيث استطاعت بكين الحصول على الدعم السياسي لبعض الدول في المنظمات والمجتمع الدولي، ناهيك على عدم قدرتها الانضمام إلى التحالفات أو المنظمات التي تنشئ من قبل الجانبين الروسي والغربي.
كما عملت القيادة الصينية على دعم أحزاب وسياسيين محليين من المنطقة، عبر تقديم الدعم المالي والسياسي، ودعمهم للوصول إلى مناصب حساسة في بلدانهم، بالتالي استطاعت إنشاء لوبيات داعمة لها في توجهات بلدانهم على الصعيدين الداخلي والخارجي.
قد لا يكون هناك الكثير من الخيارات أمام دول آسيا الوسطى لمواجهة القوة الصينية الهائلة في المنطقة، لكن بالتأكيد لن تكون المنطقة لقمة سائغة لها، في ظل التنافس الشديد للنفوذ بين أكثر من جهة، ولكل قوة منها أهدافها ومشاريعها الخاصة والمختلفة عن الأخرى، لكنهم ربما يلتقون في مشروع وقف التمدد الصيني، عبر ضرب الشريان الحيوي لها في هذه المنطقة وإغراقها في المشاكل والأزمات.

نقلا عن صحيفة القدس العربي

Leave a Comment