News

هل تحولت أوكرانيا إلى “برميل بارود” بين الـ”ناتو” وروسيا؟

أوكرانيا

علي تمي

لماذا أوكرانيا؟

أوكرانيا تشكل اليوم ثاني أكبر دول أوروبا الشرقية بعد روسيا الاتحادية، وهي عضو في رابطة الدول المستقلة، وإحدى أكبر جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً.

تمتلك أوكرانيا اليوم موقعاً استراتيجياً هاماً حيث يقع جزء منها ضمن شبه جزيرة القرم، وتمتد حدودها حتى أوروبا وتحديداً بولندا، ومعظم أراضيها تقع ضمن القارة الأوروبية.

الاستراتيجية العسكرية لأوكرانيا

تعمل أوكرانيا اليوم على استعادة شبه جزيرة القرم بعد أن ضمّتها روسيا الاتحادية إلى أراضيها، عقب الاستفتاء الذي أجرته موسكو من جانب واحد في شبه الجزيرة في مارس 2014، دون اكتراث بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان، وهذا ما يرفضه الـ”ناتو ” جملة وتفصيلاً، ولدى أوكرانيا جيش قوي يتمتع بقدرات قتالية قوية وعالية، إذ يبلغ تعداده اليوم 256 ألف جندي بعد أن تم إعادة تأسيسه في 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.

وكان هذا الجيش قد شارك في غزو العراق (2003) إلى جانب الجيشين الأمريكي والبريطاني، وحالياً هذه القوات على شفير حرب باردة مع روسيا بسبب غزوها لشبه جزيرة القرم، وكذلك بسبب تدخلاتها السياسية في جنوب شرقي أوكرانيا، التي تمتلك أيضاً ترسانة نووية لكنها لم تعلن عنها حتى الآن.

ما هي العلاقة بين أوكرانيا والوضع في سوريا؟

يبدو أن تغلغل الجيش الروسي في سوريا، والتوجه شمالاً للوصول إلى الحدود الجنوبية للـ”ناتو”، وقرع طبول الحرب من البوابة السورية، قد وضع المنطقة على شفير من الحرب، حيث بدأ الجميع يعد العدّة تحضيراً للمعركة الكبرى، التي يسميها المراقبون بمعركة (كسر العظم) بين الـ”ناتو” وروسيا، وبالتالي تمركز الجيش الروسي على حدود الـ”ناتو” الجنوبية داخل سوريا، وضع الغرب في حالة التأهب والقلق، خاصة بسبب قرب هذه القوات من قاعدة “إنجرليك” الجوية التي تحتوي على العشرات من الصواريخ التي تحمل الرؤوس النووية.

ومن هنا بدأ الـ”ناتو ” بالتحرك، فتركيا أخذت دور رأس الحربة لأنها المعنية الأولى بهذا التصعيد والتطورات المتلاحقة في المنطقة، إذ إن أولى خطوات هذا التحرك كان دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى أنقرة لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقيات المشتركة، لردع موسكو ومنعها من زعزعة الأمن والاستقرار في شبه جزيرة القرم والشرق الأوسط.

قرع طبول الحرب من جديد بين موسكو والـ”ناتو”!

الرئيس الأوكراني نزل في مطار أنقرة حيث فُرش له السجاد وقُدمت له باقة من الورد، وفي حقيبته الكثير من الملفات العالقة والشائكة التي تهم الجانبين، لرسم استراتيجية جديدة ولتحريك ملف شبه جزيرة القرم ومحاولة إعادة ضمّها من جديد إلى أوكرانيا، وأثناء جلوسه على الطاولة المستديرة مقابل أردوغان، لم يطلب زيلينسكي من أنقرة دعم بلاده بالأسلحة والطائرات المسيّرة فحسب كما فعلت مع أذربيجان خلال معارك إقليم “ناغورني كاراباخ” بل ذهب الى أبعد من ذلك، مطالباً خلال لقائه الزعماء الأتراك بالشراكة الحقيقية والانضمام إلى الـ”ناتو”.

بالإضافة إلى ذلك فقد دعا إلى توقيع عدد من اتفاقيات التعاون والدفاع المشترك، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، كما أكدت الوثيقة الموقعة بين أنقرة وكييف على التعاون في تنفيذ مشروعات مشتركة لبناء السفن الحربية، والطائرات الحربية بدون طيار، وجميع أنواع المحركات التوربينية، كل هذه التحركات جعلت من أوكرانيا “برميل بارود” ووضعتها على حافة الهاوية.

بالأصل تشهد العلاقات فيما بين كييف وموسكو توتراً شديداً بسبب زيادة تواجد الـ”ناتو” العسكري بالقرب من الحدود الروسية، الأمر الذي تعتبره موسكو خرقاً للوثيقة الأساسية للعلاقات الثنائية مع الحلف، وإذا تعمقنا أكثر في قراءة ما بين السطور حول هذا المشهد والتصعيد القائم في شبه جزيرة القرم، نجد أن أنقرة تحاول الحصول على ورقة إضافية لرفعها في وجه موسكو إن تجاوزت الخطوط الحمراء في سوريا، خاصة فيما يتعلق بعلاقتها مع “قسد” شرقي الفرات وفي إدلب وتل رفعت وما حولها داخل سوريا.

ماذا يريد الغرب من موسكو؟

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “ينس ستولتنبيرغ” دعا روسيا إلى إنهاء حشدها العسكري فوراً على الحدود الأوكرانية، مضيفاً أن الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية “غير شرعي وغير مفهوم ومثير للقلق”، رافضاً الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ومؤكداً في الوقت ذاته دعم الحلف لسيادة أوكرانيا على شبه الجزيرة ووحدة أراضيها.

من جهتها، حذرت موسكو حلف شمال الأطلسي الـ”ناتو” من إرسال قوات لمساعدة أوكرانيا، وأن روسيا سوف تتخذ “إجراءات إضافية” إذا أقدم الـ”ناتو” على مثل تلك الخطوة، بينما واشنطن ولندن تطالبان على الدوام روسيا بـ”خفض التصعيد” حول أوكرانيا إذ إن دعمهم لـ”سيادة أوكرانيا لا يزال ثابتاً”.

من جهة أخرى، فرضت واشنطن عقوبات على 32 شخصية وكياناً روسياً لقيادتهم التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، ومن بينهم أشخاص عاملون في قطاعات التكنولوجيا والدفاع والاقتصاد، وشمل القرار طرد 10 دبلوماسيين روس بينهم ممثلون عن أجهزة المخابرات الروسية في واشنطن، بينما أعلن الكرملين أن الاتحاد الأوروبي ليس شريكاً وثيقاً في الوقت الراهن لأنه قرر قطع العلاقات مع روسيا، وتم احتجاز القنصل الأوكراني في سان بطرسبورغ عندما تلقى معلومات ذات طبيعة سرية خلال لقاء مع أحد مواطني روسيا.

أما الخارجية الصينيّة فقد استدّعت السفير البريطاني في وقت سابق للاحتجاج على فرض عقوبات على خلفية إقليم شينغ يانغ.

الخلاصة..

تواجد الجيش الروسي وتغلغله داخل سوريا ومحاولة إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، والعمل على تشكيل تحالف عربي (الأردن، العراق، مصر) انتقاماً من أنقرة وتل أبيب، ولخلط الأوراق في الشرق الأوسط، ومن ثم تطوير العلاقة مع طهران وخاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي، والتوجه شرقاً نحو الصين وكوريا الشمالية وكوبا، وتحريك جميع هذه الملفات في وقت واحد دفعت بالـ”ناتو” إلى التحرك والاستنفار لوقف هيمنة الدب الروسي على مفاصل القوة في العالم.

إذ إنه لم يأتِ وصف الرئيس الأمريكي “جون بايدن ” لبوتين بـ”القاتل” من فراغ، لأنه بات يعلم جيداً أن الأخير يلعب بالنار وبالتوازنات الاستراتيجية التي خلفتها الحرب الباردة بين المحورين المتصارعين على قيادة العالم، فالـ”ناتو” لن يسمح للروس بالسيطرة على البحار الثلاثة، والتحرك نحو أوكرانيا لن يكون جولة سياحية بالنسبة لموسكو، إذ إن محاولة عبور سفينتين حربيتين أمريكيتين إلى البحر الأسود من مضيق البوسفور وتراجع واشنطن عنه فيما بعد، على خلفية التصعيد الجاري بين روسيا وأوكرانيا، ما هي إلا رسالة مشفّرة لموسكو مفادها “تعقّل”.

ذلك لأن شهر العسل بين أنقرة وموسكو حسب المعطيات الموجودة على الأرض شارف على الانتهاء، وخاصة بعد فرض الأخيرة قواعد جديدة في حرب “ناغورني كراباخ” لصالح أذربيجان وكسر شوكة أرمينيا الحليفة القوية لموسكو في شبه جزيرة القرم، وفرض واقع جديد في ليبيا لصالح الحكومة الشرعية.

كل هذه الأحداث والتطورات جعلت من أوكرانيا “برميل بارود” يمكن أن ينفجر في أية لحظة لتمتد شرارته إلى إقليم الإيغور في الصين والروهينغا في بورما وإلى التايوان وحتى إيران واليمن، وما إعلان واشنطن بسحب أو نشر قواتها من أفغانستان إلا بداية واستعداد للمواجهة المحتملة مع موسكو داخل ساحتها ومياهها الإقليمية، ومحاولة من قبل التنين الصيني والدب الروسي التنسيق فيما بينهم داخل أروقة مجلس الأمن للهيمنة على العالم والتحكم بالمضائق التجارية العالمية واللعب بالاقتصاد الدولي من خلال المساهمة في نشر فايروس “كورونا” سيء الصيت في أصقاع الأرض.

إن كل ذلك ما هو إلا من أجل خلق واقع جديد في التوازنات الدولية القائمة منذ أزمة صواريخ كوبا (1962)، وهذا ما لن تقبل به واشنطن ولندن، حتى لو كلفهم ذلك خوض حرب عالمية ثالثة.

نقلا عن وكالة أنباء تركيا

Leave a Comment